أثار كتاب الرئيس الأميركي باراك أوباما «أحلام من أبي - قصة عرق وإرث» حين صدوره في الولاياتالمتحدة قبل أشهر حماسة الصحافة والقراء ولقي ترحاباً كبيراً واحتل صدارة لائحة الكتب الأكثر مبيعاً التي تعتمدها صحيفة «نيويورك تايمز». هذا الكتاب صدرت حديثاً ترجمة عربية له عن منشورات «كلمة» التابعة لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث وقد أنجزتها الكاتبة المصرية هبة نجيب مغربي. في هذا الكتاب يبحث أوباما ابن الرجل الأفريقي والسيدة الأميركية عن معنى حقيقي لحياته كأميركي أسود، وتبدأ أحداث الكتاب في نيويورك حين تلقى باراك أوباما خبر وفاة والده في حادث سيارة، والده الذي كان في عينيه أسطورة أكثر من كونه إنساناً عادياً. هذا الموت المفاجئ أشعل في داخله نار رحلة عاطفية تبدأ في مدينة صغيرة في كنساس يتعقب منها هجرة عائلة والدته الى هاواي. ثم تأخذه الرحلة الى كينيا حيث يقابل الفرع الكيني من شجرة عائلته، ويواجه الحقيقة المرة لحياة والده. وفي النهاية ينجح في رأب الصدع بين شقي إرثه الممزق. يقول أوباما في تمهيده للكتاب «إن هناك أخطاراً متأصلة في تأليف أية سيرة ذاتية، إغراء أن يلون المؤلف الأحداث بالطريقة التي يفضلها هو، والنزعة للمبالغة في تقدير أهمية تجربة الفرد للآخرين، وزلات الذاكرة المتعمدة... ولا يمكنني أن أقول إنني تجنبت كل هذه الأخطار بنجاح، ومع أن جزءاً كبيراً من هذا الكتاب يعتمد على تسجيل متزامن للأحداث أو التاريخ الشفهي لعائلتي فإن الحوار تقريب ضروري لما قيل بالفعل أو ما روي لي». ويوضح أن بعض الشخصيات التي ظهرت ما هي إلاّ مركب من أناس عرفهم، وبعض الأحداث تظهر خارج الترتيب الزمني الدقيق لها، وباستثناء عائلته وحفنة من الشخصيات العامة فإن أسماء معظم الشخصيات قد تم تغييرها للحفاظ على الخصوصية. ويضيف: «مهما كان الوصف الذي يلتصق بهذا الكتاب وسواء كان سيرة ذاتية أم مذكرات أم تاريخ أسرة أم شيئاً آخر، فإن ما حاولت أن أفعله هو كتابة سرد صادق لجزء محدد من حياتي، فإن ما وجد طريقه الى هذه الصفحات هو سجل لرحلة شخصية داخلية، رحلة بحث صبي عن والده، ومن خلال ذلك البحث يجد معنى عملياً لحياته كأميركي أسود البشرة. باراك أوباما الذي انتخب رئيساً للولايات المتحدة في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 هو أيضاً مؤلف كتاب «جرأة الأمل: أفكار عن استعادة الحلم الأميركي»، الذي صنّف واحداً من أفضل الكتب مبيعاً وفقاً لمجلة «نيويورك تايمز». وكتابه الجديد كانت تراوده فكرة تأليفه منذ أن كان طالباً في كلية الحقوق. يكتب أوباما في ما يشبه السيرة الذاتية: «بعد بضعة أشهر من عيد ميلادي الحادي والعشرين، جاءني اتصال من شخص غريب ليبلغني الخبر، كنت أعيش في ذلك الوقت في نيويورك في شارع رقم أربعة وتسعين بين الجادتين الثانية والأولى، وهو جزء من ذلك الحد المتغير الذي لا يحمل اسماً بين شرق هارلم وباقي منهاتن. كان شكل المجمع السكني غير جذاب ويخلو من الأشجار والنباتات، تصطف على جانبيه مبان سكنية طلاؤها أسود وبلا مصاعد تلقي بظلال كئيبة غير مستقرة ولها جرس كهربائي أسفل المبنى لا يعمل، ومن ثم كان على أي زائر أن يتصل قبل مجيئه من هاتف عمومي في محطة البنزين في زاوية المكان جيئة وذهاباً طوال الليل في دورة حراسة يقظة، يقبض بكفيه على زجاجة جِعَة فارغة. لم أكن أهتم كثيراً فلم أكن أستقبل الكثير من الزوار، في تلك الأيام كنت ضيّق الصدر، مشغولاً بالعمل وخطط لم تنفّذ، وأميل الى اعتبار الأشخاص الآخرين مصدراً لتشتيت الانتباه لا ضرورة له، وليس ذلك لأني لا أقدر الرفقة، فقد كنت أستمتع بتبادل الدعابات باللغة الإسبانية مع جيراني الذين كان أغلبهم من بورتوريكو، وفي طريق عودتي من المحاضرات كنت عادة أتوقف لأتحدث مع الصبية الذين كانوا يقضون وقتهم عند مدخل المبنى طوال فترة الصيف يتحدثون عن فريق نيكس لكرة السلة، أو الطلقات النارية التي سمعوها الليلة السابقة. وعندما يكون الطقس جيداً يمكن أن أجلس أنا ورفيقي في الشقة على سلم الحريق ندخن السجائر ونتأمل الغسق وهو يغرق المدينة في الظلام، أو نشاهد البيض من المناطق السكنية الأفضل بالقرب منا يسيرون بكلابهم أسفل العمارة التي تقطن فيها ويتركون الحيوانات تتبرز على حافة رصيف الشارع. كان رفيقي يصرخ فيهم بغضب مؤثر: «تخلصوا من هذا البراز أيها الأوغاد!» وكنا نسخر من وجهي السيد الأبيض والحيوان وهما يتجهمان دون إبداء أية نية للاعتذار وينزلان على ركبتيهما للقيام بفعلتهما».