قبل سنوات عندما لم تتوافر وسائل الإعلام الحديثة.. كان الناس يسألون القادمين من المدن والعواصم.. ما هي الأخبار؟! فتأتيهم الأخبار وقد مضى عليها أيام وربما أكثر.. ثم عرف الراديو ومعه الصحف السيارة فبدأت المسافة تقصر.. وتقاربت المسافات وكادت أن تتصل المدينة بالقرى والأرياف. ثم جاءت الأقمار وانتشرت المحطات الفضائية.. وتنافست على تقديم الأخبار وما يستجد بأسرع وقت.. كان للأخبار مواعيد محددة ينتظرها الجميع أو على الأقل المهتمون.. وأصبح الآن الخبر لا ينتظر موعده بل تجده أو يأتيك على شكل شريط أسفل الشاشة.. أو يفاجئك بتنويه وبخط أحمر.. خبر عاجل.. وهكذا تلاشت الحدود وأصبح العالم قرية واحدة لا يخفى فيها شيء.. الكل مكشوف ومعلوم ما يحصل من اجتماعات أو مؤامرات تحاك في الغرف المغلقة في أقصى الشرق لا يلبث سوى مسافة بث الخبر سواء كان صادقا أو متوقعا منتشرا في أقصى الغرب. عندما كان الإنسان مثلي يعيش في قرية تنعدم فيها وسائل الاتصال الحديثة قبل نصف قرن أو يزيد.. وعندما كان وعيه أو منتهى علمه هو ما يسمعه من أمه أو ممن يعيش في القرية كفلاح أو راعي غنم.. ولا يسمع ما يدور حوله إلا ما يتناقله المارة بالقرية ولا يهمهم وقتها إلا أسعار المهم من المواد الغذائية. كنت أسمع من أمي أطال الله في عمرها ومن غيرها من كبار السن وهن يرددن بعض الأسماء.. وبالذات أسماء أماكن وفي اعتقادهن أنها أقصى نقطة في العالم.. فمثلا إذا ضايق الطفل والدته.. وألح عليها بطلب شيء وهي مشغولة بإعداد الطعام.. أو الحصاد.. أو تعليف المواشي وحلبها.. تجدها تنهر طفلها إذلف أو إنقلع لقندهار.. ولم نكن نعلم أن هذه مدينة في أفغانستان. وفي اعتقادها أو مفهومها أقصى مكان في العالم. وإذا أرادت إحداهن أن تدعو على عدو قالت له: يمال صكة بقعاء.. ولم نكن نعرف أن هذه بلدة في منطقة حائل. وإذا أرادت أن تدعو على أحد أو تصده قالت له: انقلع قلعة وادرين.. أو جعلك تذهب ولا تعود.. ولم نكن نعلم أنها قلعة بناها الأتراك في تبوك.. وكانت سيئة السمعة آنذاك.. الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود.. وعند اطلاعي على كتاب (آثار منطقة تبوك) الصادر من وكالة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف سابقا ط1، 1423ه وجدت أن هذه القلعة تسمى قلعة تبوك وقد أقيمت في أثناء العصر العباسي، ثم أعيد بناؤها في عهد السلطان محمد الرابع سنة 1064ه وفي العام 1260ه جددت مرة أخرى في عهد السلطان عبد المجيد، وأخيرا تم ترميمها وتجديدها من قبل وكالة الآثار والمتاحف عدة مرات آخرها في عام 1423ه. وقد تقاربت المسافات بعد ذلك.. فقبل أربعين عاما ابتعث قريبي محمد الدويش للدراسة في أمريكا وقد أخفوا ذلك عن جدته.. ولكن الخافي معلوم.. فقد أسرت إحداهن لها أنه رايح يقرأ في ديرة بعيدة اسمها أمريكا.. فما كان منها إلا أن قالت: يا عونة الله.. هناك.. ثم استدركت قائلة أيهما أبعد أمريكا أو المجمعة.. ومعروف أن المجمعة لا تبعد عن الزلفي سوى 70 كيلا. وبالمناسبة نجد الصديق يحيى أم قاسم يقول في روايته (ساق الغراب): إن (سنقافورة) أبعد نقاط الأرض في اعتقادهم، والتي يأتيهم منها الأرز الذي لا يقدم طعاما إلا للمرضى فهو شفاء مؤكد وعاجل تجلبه السفن من (سنقافورة).. كما نجد الدكتور طه حسين يقول: إنه عند دخوله الأزهر وبداية جلوسه في حلقة أستاذ يدرس له الفقه على أي مذهب من المذاهب الأربعة، ولكونه حنفي المذهب فقد أخذ في مذهب أبي حنيفة، وكان أول درس من ذلك أحكام الوضوء وأنواع المياه التي تصلح للتطهر. فإذا قصة جميلة وطريفة تقول: إن الأنهار العذبة ولا سيما النيل ودجلة والفرات وسيحون وجيحون (وهي أفضل أنهار الدنيا) إنما يأتي إليها الماء من بحر زاخر تحت العرش، ماؤه أصفى من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل، قالوا: ويسقط الماء من هذا البحر قطعا كالجبال الشامخة فتتلقاه غرابيل من السحاب، فإذا عصفت بها الريح نسفت هذه الجبال المائية فنزلت إلى الأرض قطرات صغيرة كأقدار ما في تلك الغرابيل من خروق. قالوا: وكل الله سبحانه وتعالى ملكا يسوقه برفق مرة وبعنف أخرى فيسمع له صوت هو الذي نسميه الرعد. وهكذا تتغير الحياة وتختفي الخرافات والأساطير بفضل انتشار العلم والمعرفة وارتفاع وعي الإنسان وإدراكه بالمخترعات والمكتشفات المتلاحقة أصبح العالم بين أصابعك. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة