في كل مرحلة نهوض متوهم، يكتفي المجتمع بتوصيفات جاهزة لأسباب التخلف، يقوم بها قادة رأي بشر تنزعهم رغم مكانتهم طبائعهم الذاتية التي تحتاج إلى مقابلة مع طبائع وأفكار أخرى حتى تكتمل التجربة البشرية في قراءة الأحداث. لماذا تخلفنا .. سؤال عاش كثيراً بفعل المراوحة التي تمارسها محاولات الإصلاح والتغيير، سؤال ينطلق من زمن لآخر، ويتنقل من بيئة لأخرى، ويظل صامدا رغم تغير مناخات التحول. فقداننا لمقومات الجهاد العقلي جعلنا نكتفي بتلقي خطوات الإصلاح دون سؤال، نستنفر الجهود لمحاربة الخلل فتمضي الطاقات ويبقى التخلف جوابا حاضرا. فهل كنا سابقاً بحاجة لجهد المدافعة أم جهد الإقلاع الحضاري؟ بين التخلف الصادق، الذي نعيش، والنهوض الكاذب المتوهم، الذي استنفد إمكاناتنا، استفهامات كبيرة تطرحها محاولات الإصلاح السابقة. فقد مر إصلاحيون بارزون في تاريخ الأمة منذ سقوط الخلافة العثمانية، كثير منهم عاش ظرفه وقدم رؤية لمدافعة مرحلية، وقليل من استلهم الحاضر ليطرح استفهامات المستقبل. أعاقنا سابقاً جهلنا أن النهوض الحضاري معالجة جذرية لترسبات تاريخية، وتفكيك كامل لمصادر الإشكاليات، وطرح لتصورات كلية تستهدف البعيد وتتجاوز واقع المرحلة، وإن انطلقت منها. وهنا نجحت عقول قليلة لم يعرها المجتمع بالا، وسقطت عقول وتيارات كثيرة رغم تجييش الناس لفكرتها فلم تحدث نهضة. ما نطالب به في هذه العجالة الورقية هو حالة بحث جماعية تأخذ في اعتبارها التنوع الفكري، وتمايز الأهداف، وتغير الظروف، آخذة بعين الاعتبار التوزيع الجغرافي للمسلمين، فعشرون في المائة في محيطنا يعني وجود كتل سكانية ومنظومات وثقافات متفاوتة تلبس هذا الرداء الإسلامي وهي جزء أصيل من مشروع أية نهضة لا يسعنا تجاهله، وهنا مطالبة نسجلها باتجاه منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي تعيش ذكراها الأربعين، بالبدء في زحزحة سؤال التخلف وإجابة النهضة، وإن لم يكن لها من عمل إلا هو، ببعده النظري التأصيلي وبعده العملي التركيبي، فهو انفكاك من حالة اشتباك سياسي يعطلها، وتفرغ لجهد حضاري يعتقها. يدعوني للتفاؤل بهكذا مطلب وجود مفكر بحجم الأمين العام للمنظمة، والذي سجل خلال الأشهر الماضية وعياً حقيقياً بحجم الضعف ومحاولات هيكلية لإعادة الدور، وهو ما يجعلها الآن مؤهلة لا للإجابة على السؤال بل لإعادة تفكيك السؤال وقراءته وإعادة توجيهه، متجاوزة إشكاليات التفكير الفردي وضعف المؤسسية في ظل خصومات المؤسسات والجماعات وقصورها عن العلو فوق مواطن الخلاف. متى اكتملت الرؤية التي تأخذ في الاعتبار الأمة، والتوصيف الذي يتجاوز حالة الحلول المدافعة إلى صناعة منظومة حلول صانعة للحضارة متجاوزة للمشاكل الآنية، حينها ستبدو خطواتنا للنهضة أوضح وأسرع وأكثر استقرارا على رغم التحديات. * كاتب وإعلامي سعودي