الأسهم تتجه لخسارة أسبوعية مع الانتخابات وتوقعات مقاومة خفض "الفائدة"    مكتب التربية العربي لدول الخليج الراعي للمنتدى التربوي المصاحب لدورة الألعاب المدرسية الدولية المقامة في البحرين    شرطة مكة: الوافدة الأردنية في المدينة.. لا صحة لاختطافها    خطيب المسجد الحرام: إذا أدى العبد حق ربه انتظمت حياته    خطيب المسجد النبوي: الصلاة أعظم فريضة افترضها الله بعد التوحيد فهي عمود الإسلام    الاتحاد السعودي يوقع مذكرة تفاهم مع نظيره الاوكراني    5 مواجهات من دون نيفيز في الهلال    الاتحاد الأوروبي يدعو المجتمع الدولي إلى إيجاد حل سياسي في لبنان    منصور الزكري مديرًا عامًا تنفيذيًا لميناء جازان    وكيل الأزهر يشيد بجهود القيادة في خدمة الإسلام والعناية بالحرمين    أول ردة فعل من مانشيني بعد اقالته من تدريب المنتخب السعودي    القيادة تهنئ رئيس جمهورية كازاخستان بذكرى يوم الجمهورية لبلاده    المركزي الروسي يخفض سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    مدينة سلطان للخدمات الإنسانية ووزارة الصحة توقعات اتفاقية في مجال أمراض الدم    "الأرصاد" هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مضمضة الكربوهيدرات    5 مؤشرات على نقص المغذيات في الجسم    جامعة كاليفورنيا: الموسيقى تقلل الحاجة للمسكنات بعد الجراحة    الإرجاف.. والتضليل    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي نائب رئيس الوزراء وزير الاقتصاد والمالية في جمهورية أوزبكستان    «حزب الله» خطر على سورية    فقاعات.. وخوارزميات !    Spider-Man 2 على الكمبيوتر الشخصي بداية العام القادم    هاكر يكشف مخاطر الإنترنت العام    مشروب يخلصك من آلام الظهر والصداع    البرتغال تزيد من تواجد الشرطة في لشبونة بعد إضرام النار في حافلات    الاتحاد الأوروبي يعرب عن انزعاجه الشديد إزاء وجود جنود كوريين شماليين في روسيا    المعرض الزراعي السعودي 2024 يختتم فعالياته ب 12 اتفاقية إستراتيجية    فرحة عارمة للاعبي الأهلي بعد التتويج بكأس السوبر المصرية    أسرة الشهابي تتلقى التعازي في فقيدها    الخليج يتجاوز الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    خالد المالك: «هيئة الصحفيين» تمارس عملها على الكفاف!    من صراع الأدوار إلى تدافع الأفكار    إيران بين السلام.. ومشروع الهيمنة!    الناعقون وشيطنة «السعودية»    السنة المهجورة.. خدمة الرجل لنفسه ومساعدته لزوجته    النقد أداة سلوكية    الاتحاد السعودي لكرة القدم ينهي التعاقد مع مدرب المنتخب "روبرتو مانشيني"    لا تصغوا إلى ما يقوله النقاد    لكنهم لا يفهمون!    كونوا أحياء    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة لعدة أيام والدفاع المدني يحذر    إحباط تهريب (330) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    كادي الخثعمي بطلة لتحدي القراءة العربي 2024    دروس قيادية من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد    محمية الشمال للصيد.. رؤية الحاضر بعبق الماضي    دلالات الصراع الذاتي في رواية «سادن»    فيصل بن مشعل يستقبل مدير للعيادات الشاملة التخصصية لقوى الأمن بالقصيم    شواهد تاريخية    وزيرة الدفاع الإسبانية تستقبل وزير الدفاع ويعقدان جلسة مباحثات رسمية    نائب أمير مكة يتوّج الفائزين بجائزة مكة للتميّز في دورتها ال 16    السعودية للكهرباء تختتم مشاركتها في ملتقى توطين قطاع الطاقة بتوقيع اتفاقيات تتجاوز قيمتها 54.7 مليار ريال    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 7.4 % خلال أغسطس 2024    وزير الدفاع يجتمع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الصناعية الإيطالية    نائب أمير الرياض يعزي أسرتي بن شوية وبن حضرم    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    أمراء ومسؤولون يعزون في وفاة المهندس سامي مقبول    حدثوني عن مقبرة الأحلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لست نادما على تمردي وتحملت المسؤولية من أجل الصالح العام
حوار الأسبوع استكثروا عليّ خطاب شكر بعد أربعين عاما.. عميد العمل الاجتماعي إحسان طيب ل
نشر في عكاظ يوم 16 - 10 - 2009

الصراحة والشفافية أفسدت للود قضية وقطعت الطريق على استمرار إحسان طيب مدير عام فرع وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة في منصبه؛ ليخرج قبل ثلاثة أعوام من تقاعده من الباب الضيق للوزارة .. الرجل الذي قال له الأمير ماجد رحمه الله في أحد الأيام (أنت اسم على مسمى فأنت إحسان وصالح وطيب) ولقبه الأمير عبد المجيد رحمه الله ب (عميد العمل الاجتماعي)، ووصفه الوزير الأسبق الدكتور علي النملة بأنه (كالسمكة لا تعيش خارج الماء) غادر بعد أربعين عاما من العطاء والإنجاز دون خطاب شكر أو حفلة تكريم .. وظل رغم كل معكرات الصفو التي طاردته واضطرته للاستقالة محتفظا بثقة ولاة الأمر ومنصبه المتفرد كعضو مجلس منطقة للمرة الخامسة على التوالي .. وجدته ثابتا على مواقفه رغم التهديدات التي تعرض لها بعد دراسته المثيرة للجدل عن المتخلفين الأفارقة .. وظل على آرائه وحرقته على العمل الاجتماعي وما يحدث في الدور، ويدار في الأروقة، ولا يروق لعقلية مسؤول .. اعترف بتمرده على الأنظمة واللوائح الخاطئة وعصيانه الدائم لكل روتين .. وكشف مستور الأنظمة واللوائح الداخلية للوزارة، وفشل ملف الفقر الذي تحول إلى مجاملات وانتدابات خارجية ونظريات غير واقعية لحملة حرف الدال ..
وقال بصراحة إن المتسولين أكثر تنظيما من أجهزة المكافحة، وأن دور الملاحظة تخرج أحياناً المجرمين ولا تصلحهم .. حوار حملت في كثير من أجزائه مقص الرقيب بعد أن وجدت ضيفي أكثر اندفاعا نحو الخط الأحمر .. أبو صالح الذي ولد في حي الغزة في مكة المكرمة لأب يعمل تاجرا في الأقمشة نشأ في بيئة اجتماعية تشرب منها حب العمل الاجتماعي منذ الصغر، فوالده كان يؤوي في إحدى غرف البيت امرأة مقطوعة من أهالي الطائف ظن لفترة طويلة أنها أحد أفراد أسرته، في الوقت الذي كانت فيه والدته تحثه يوميا على قضاء حوائج كبار السن ممن لا عائل لهم من رجال ونساء الحي فتشكلت معالم شخصيته في سن مبكرة، وساهمت سنوات دراسته الابتدائية في القاهرة في تشبعه بفيتامين الحرية والتعبير لتكون مرحلة التجارة المتوسطة والخدمة الاجتماعية الثانوية تأسيسا مبكرا لملكة البذل والعطاء في حياته .. واجهته دون مقدمات عن أسباب تضحيته بأربعين عاما من عمره من أجل خلاف شخصي مع الوزير السابق للشؤون الاجتماعية عبد المحسن العكاس فقال:
الخلاف في وجهات النظر ظل موجودا مع كل الوزراء الذين عملت معهم، لكنه خلاف لا يفسد للود قضية ولم تكن المعاداة الشخصية عنوانه الكبير، ولكن أهم خلاف في وجهات النظر بيني والوزير السابق العكاس ارتكز حول سياسة رعاية الأيتام، وكانت بينه وبين الواقع الميداني مسافة متباعدة؛ فمن الأشياء التي حدثت أنه حضر للطائف بطائرة خاصة لحضور حفل معسكر توجيه فقط، فألححت عليه بزيارة دار الملاحظة في الطائف التي تعطل فيها العمل؛ لخلاف مع المقاول وطلبت أن يعطي الموضوع أولوية في زيارته إضافة إلى زيارة دار الرعاية أيضا، وللأسف الشديد أنه حضر للحفل وغادر دون أن يلتفت لكل ما طلبته، وفي إحدى المرات في جدة أخبرته برغبة العاملين في السلام عليه فرفض، وعندما رشحني الأمير عبد المجيد رحمه الله لنظارة الوقف العلمي لجامعة الملك عبد العزيز وصلني خطاب من الوزارة يتساءلون فيه عن سبب الترشيح فأرسلت لهم بالفاكس أن عليهم سؤال من رشحني، والأعجب أن الوزير يرسل الخطاب لوكيل الوزارة الذي يرسله بدوره لمدير الشؤون الإدارية الذي يخاطبني مع أنه يعتبر في مرتبة أقل مني وظيفيا لمزيد من الاستفزاز.
• ألم تحاول تقريب هذه المسافات بحكم خبرتك الطويلة في التعامل مع الوزراء والمسؤولين؟
حاولت كثيرا الاقتراب منه لتوضيح الأمور، لكن الرجل لم يكن يتعامل إلا مع الوكيلين لا أكثر ولا أقل، وهذا ما جعل خلافاتي تمتد ولا تقف عند حدود الوزير، بل امتدت إلى الوكيل عوض الردادي وبعض المسؤولين في الوزارة.
• أعتقد أن ردة فعلهم متوقعة لعلاقة بين رئيس يضع نظاما ومرؤوس يرفض تنفيذه، وكأنك تشجع الآخرين على عصيان أوامر الوزير؟
هذا صحيح، وفي مواقف معينة اعتبر الإخوة في الوزارة انتقاداتي وتوضيحي لبعض الأخطاء نوعا من التمرد والعصيان وهذه نقطة الخلاف الرئيسية، فأنا أنظر للأمور من خلال الميدان ومهنيتي الطويلة في هذا المجال وعندما تأتي القرارات من أشخاص غير مختصين إلى مختصين فهنا تحدث المشكلة، وكمثال فقد أصدر الوزير العكاس تعميما للوكلاء بأن لايوقع أي مسؤول في الوزارة محضرا مشتركا مع أية جهة خارجية إلا بعد الرجوع إليه، فقلت لهم: إن هذا الكلام غير معقول، وتحدثت مع عائض الردادي من يومها فلم أجد تجاوبا.. فكتبت للوزير خطابا من ثماني صفحات وأوضحت له أن بعض المحاضر يوقعها العاملون في قراءة عدادات الكهرباء، وبعضها توقع من مكافحي التسول الميداني وحتى من يعدون طبلات الإعاشة في الدور الإيوائية يوقعون يوميا على محاضر الاستلام، كما أن بعض مديري الفروع يشاركون في اجتماعات، وأنا كعضو في مجلس منطقة مكة المكرمة تثار أمامي أشياء لا علاقة لها بالوزارة، وليس من المعقول أن أقول بأننا سنأخذ المحضر ونعرضه على الوزير، فاقترحت أن تعرض عليه الأشياء المتعلقة بالسياسات العامة، أو الاعتمادات التي لا بند لها أو ارتباط في الميزانية، إضافة إلى المسائل المتعلقة بالتمثيل الخارجي أو التوجه العام المراد تبليغه .. ولم أوقف العمل في منطقة مكة المكرمة بناء على هذا التعميم في الوقت الذي اعتمدته كل المناطق، وهذا ما جعل الإخوة يعتبرونني متمردا لأنني تركت العاملين معي يستمرون في الطريقة التقليدية وكنت أقول لهم: إننا سنرجع إلى الحق في آخر الأمر، وهذا ما حدث فقد أصدر الوزير تعميما بنص الكلام الذي قلته فأخذها بعض الإخوة.
• المعروف أنك شخص عملي ولا تحب الروتين، لكن هذا لا يعطيك الحق في عصيان الأوامر؟
أنا لم أتمرد في يوم ما وظللت حريصا على تسهيل الأمور، وإذا تعطل مشروع لم أكن انتظر التحرك الروتيني بين القطاعات، وأنما أتحرك شخصيا فأكتب وأتعهد وسجلت على نفسي أكثر من ثلاثين تعهدا خلال مراحل بناء مكتب الشؤون الاجتماعية إلى أن كسبنا القضية التي كانت مثارة للاستيلاء عليه، واستطعنا أن نحصل على منح لكثير من الأيتام ويبدو أن هذا الأسلوب لم يكن يعجب البعض.
• واستقلت لشعورك بالظلم؟
الغريب أن كل ماقدمته طيلة العقود الأربعة التي عملت فيها في الوزارة لقي رضا وثناء من قبل أمراء المنطقة، وكل من مر على الوزارة يعرف هذا الأمر جيدا، لكن هذا الرضا يختفي وقت الترقيات الوظيفية لدرجة أن الدكتور علي النملة كان يعتذر كثيرا لي ويقول: (لك حق) ونحن نبذل قصارى جهودنا في هذا الجانب، وفي ظل الإنجازات التي شهدتها المنطقة والنقلة النوعية في العمل الاجتماعي والتطوعي الخيري الذي سبقتنا به كل مناطق المملكة فإن أي إنسان ينتظر أن يكافأ على جهده، وعندما تضحي وتجد غيرك ينال أفضل منك، فهذا أمر محبط ويشعرك بالظلم وأنا على مدى سنوات عملي في الوزارة لم يسبق لي أن عايدت أسرتي وأولادي قبل أن أعايد أبنائي وبناتي الموجودين في دور التربية ومراكز التأهيل ودور الحضانة، ولم يكن هناك خارج دوام أوخلافه وإنما أفعل ذلك احتسابا للأجر من الله وشعورا بمسؤوليتي تجاههم، كما لم يكن لدينا بند للمعايدة المالية فكنت أعطي من مالي الخاص لهم دون أن يعلم بذلك أحد في الوزارة.
• ولكنك بررت استقالتك ورغبتك في التقاعد المبكر للصحف بأنها نتيجة عروض مغرية؟
البداية كانت عندما طلب صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز إعارتي لمدة سنة لجمعية حماية البيئة بمناسبة تكوين الجمعية الجديدة التي تتطلب الاتصال مع البيئة والأمم المتحدة ورغب الأمير تركي في مشاركتي كمدير عام للجمعية لفترة التأسيس مع الدكتور أحمد عاشور وباقي أعضاء مجلس الإدارة المؤسسين، وبعد أن أبلغني وافقت على الفور، فكتبت خطابا لوزير الشؤون الاجتماعية لإعارتي لمدة سنة فأرسل العكاس وزير الشؤون الاجتماعية اعتذارا للأمير لأنه لا يستطيع الاستغناء عني كوني في المرتبة الخامسة عشرة، وأشغل وظيفة كبيرة إلى جانب تمثيلي للوزارة في مجلس المنطقة، وأنه لا يوجد البديل الذي يقوم بالمهمة، وفي إحدى الجلسات التي جمعتني بالدكتور عبد الرحمن الشبيلي سألني عن الفرق بين راتبي الحالي وراتبي التقاعدي فحسبتها ووجدت أن الفرق لا يتجاوز ال (296) ريالا، ولم أكن مع هموم العمل ومشاغله أفكر في هذه المسألة، فأشار عليّ بالتقاعد المبكر، وفعلا رفعت خطابا للوزير أطالب فيه بذلك من تاريخ 1/2/1428ه علما بأنه بقي لي على التقاعد ثلاث سنوات فوافق عليه مباشرة.
• ألا تعتقد أن ترشيحك لقيادة المسح الميداني في منطقة مكة المكرمة هو الذي أوقد شرارة الخلاف بينك وبينهم؟
المسح الشامل تم في فترة الدكتور النملة ولم يتم التنسيق فيه مع الوزارة برغبة الأمير عبد المجيد رحمه الله، الذي كان يتمنى أن يرى منطقة مكة المكرمة خالية من العشش والصفيح، وعندما عرض علينا الأمر عام 1425ه قلت له وكان معي يحيى بن لادن بأن التعرف على المشكلة يحتاج إلى مسح شامل فطلب سموه مني إعداد الخطابات المرسلة للجهات الحكومية، ومنها وزارة الشؤون الاجتماعية لرغبته في عدم تعطيل المشروع من أية جهة، وقمنا بالعمل بمشاركة باحثين من الجامعات ومديري فروع وباحثين اجتماعيين ومرشدي معلومات أولية واستفاد من عملنا اللجنة النسائية العليا برئاسة الأميرة سارة ومؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان الخيري.
• وأين الوزارة المعنية من هذا المسح؟
قامت بتقديم بعض الدعم لبعض الفرق، والحقيقة أن الجدية التي تميز بها المسح لم تقف عند حدود الاستعراض ووضعه فوق الرفوف، بل كانت المعالجة الأولية لظروف كل حالة تتم مباشرة فألحقنا بعض الأسر بالضمان الاجتماعي ومستحقين بمراكز تأهيل المعاقين، وأجرينا عمليات عيون بالتعاون مع الدكتور عصام قدس رحمه الله لبعض أسر الليث وثول، وأصلحنا أوضاع أكثر من 60 في المائة من الأسر المشمولة بالمسح.
• أحسست بعدها بأنهم أخذوا منك موقفا؟
كنت أتمنى أن يقولوا لي كثر الله خيرك وبيضت وجهنا، ولكن لم يحدث شيء من هذا، ولعلمك فالوزارة لم تقل لي شكرا بعد إحالتي إلى التقاعد، ولم يصلني منهم أي خطاب بهذا الشأن حتى الآن، وأزيدك من الشعر بيتا، فممثل الوزارة حضر حفل التكريم الذي أقامه لي زملائي بدون نفس وكأنه مغصوب على الحضور مع أنني لصيق هذه الوزارة على مدى أربعة عقود منذ أن كنت طالبا في معهد الخدمة الاجتماعية الثانوي.
• ولماذا استبعدت من ملف مكافحة الفقر رغم مشاركتكم في وضع لبناته الأولية؟
حضرت أول جلستين مع ورش عمل لجمع الأفكار وتكوين مجموعات العمل، ولم أطلع على ما أنجز وما تعثر، وظللت كمدير عام شؤون اجتماعية في منطقتي لا أعرف ما يحدث من تفاصيل بعد ذلك.
• البعض قال بأن المخطط لم ينفذ؟
لأن الذين خططوا لهذا الأمر لم يدمجوا المتخصصين والشركاء الحقيقيين في الحل، وكل ماحدث بعد ذلك اجتماعات لجان وذهاب إلى المناطق وإجراء دراسات على بلدان خارجية وبانتدابات لفترات طويلة.
• تقصد غير متخصصين؟
بل غير مطلعين على الواقع لأن الفقر لايعرفه إلا أهل المناطق والعاملون في الضمان الاجتماعي والمتعاملون مع الناس مباشرة في الجمعيات الخيرية وهم من يفترض وجودهم ومشاركتهم.
• المشكلة في الأنظمة أم في تطبيقها على أرض الواقع؟
الأنظمة الموجودة لدينا هي الأفضل، لكن العيب في تطبيقها لعدم توفر الكفاءات المهنية التي تطبقها، وكمثال واضح وملموس فقد صدر الأمر بفصل وكالة العمل وجعلها وكالة وزارة مستقلة، وفصل وكالة الشؤون الاجتماعية وجعلها وزارة شؤون اجتماعية وإلى الآن لم يحسم الأمر .. هل يجعلون المكاتب رئيسية أم إدارات عامة للشؤون الاجتماعية ولا يوجد هيكل تنظيمي مبلغ للجهات عن وضعها رغم مرور سنوات على عملية الفصل لدرجة أن الوزير العكاس قال لي في أحد الأيام: من الذي قال لك أنك مدير عام فرع الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة، فأخبرته أنها توجيهات الدكتور علي النملة فاسألوه !! .. جانب آخر أيضا فالمفترض أن تدمج الإدارات المزدوجة مثل الضمان والإعانات، بحيث تكون في وكالة الوزارة للرعاية والتنمية الاجتماعية بدل أن يكون لدينا وكالة للضمان وأخرى للرعاية والتنمية، مع أن الوكالتين تقعان تحت البند (256) في الباب الثالث في مسائل الصرف والبنود والاعتمادات، وأذهب إلى أبعد من ذلك فبعض الأنظمة لا تراعي البعد الآخر لعملية المتابعة، فبعض حالات الإعاقة إذا تحسنت فإن الإخوة في إعانات المعاقين يخفضون درجة الإعانة وهذا الأمر يؤدي بالأسر الضعيفة إلى عدم تحسين نوعية علاجها لأبنائها وتتوقف عند مرحلة معينة لأجل الحصول على الإعانة، وأنا أتوجه برجاء لوزير الشؤون الاجتماعية بأن لا تقطع الإعانة ولا تخفض عن الحالات التي تتحسن نوعا ما، بل تترك عاملا تشجيعيا لتحسين وضع هذا المعاق لينتقل من مرحلة السير على الأربع إلى الاتكال على الله سبحانه وتعالى ثم الوسائل المعينة لحركته.
• لاحظت أن برنامج الحماية الاجتماعية موجود في أكثر من قطاع حكومي مع أن الوزارة معنية به ومع ذلك لم يصدر له نظام إلى الآن؟
نعم .. وزارتا الصحة والتربية والتعليم لديهما أجهزة موزعة وأعتقد أن المسألة بحاجة لجهاز تنسيقي بين كل القطاعات، ومن المؤسف أننا ننتظر منذ عام 1425ه صدور نظام الحماية الاجتماعية وهو النظام الخطر المتعلق بإيذاء الأطفال، وأنت ترى كل يوم في الصحف عشرات حالات الإيذاء في المجتمع لهذه الفئة ونتمنى صدوره قريبا إضافة لنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية وفي رأيي أن صدور النظام مع بعض السلبيات التي تعالج بقرارات الحاقية أفضل من أن يعلق ولا يصدر حتى الآن.
• البعض يرى أن المتسولين أكثر تنظيما من أجهزة المكافحة في الوزارة .. فمن السبب وراء ذلك؟
بل هم أكبر من ذلك، فالمتسولون أصبحوا منظمات تتاجر بالإعاقة وأتذكر أن صالح التركي تبنى هذا الموضوع مع إمارة منطقة مكة المكرمة وعالج مشكلة الأطفال الأفغان والنيجيريين وتوقفت الجهود بعد ذلك، وفي تصوري أن المسألة تحل بتجفيف منابعها مع قنصليات الدول المعنية بهؤلاء المتسولين، وتحويل المشكلة إلى منفعة بتحويل اتجاهات الكثير منهم لخدمة المجتمع، وقد سمعنا من سمو الأمير نايف كلاما واعياً لهذه المسألة في الغرفة التجارية في جدة حول هذا الموضوع ونسأل الله أن يأخذ بيده في هذا الاتجاه.
• وما علاقة إشغال مكاتب التسول بقضية إيواء الخادمات؟
الاقتراح الذي طرح في البداية أن يتم إلحاقهم بدور الرعاية بدلا من بقائهم في صالات المطار فاعترض القائمون عليها لئلا يتم إزعاج كبار السن، فاقترح أن يوضعوا في مكاتب التسول مع إيجاد أماكن لهم لحين حضور كفلائهم لاستلامهم، وقد وجد وكيل الوزارة آنذاك أن بعض الكفلاء يترك خادمته ويذهب للاصطياف ثم يعود ليأخذها فقرر بعد موافقة الداخلية تطبيق نظام غرامة تصاعدي من اليوم الأول لتأخر الكفيل بدءا من مائتي ريال بحيث يتضاعف المبلغ يوميا فاندفع الكفلاء لاستلام خادماتهم من المطار وحلت المشكلة تقريبا، لكن المسألة لم تستمر فتغير النظام وألغيت الغرامة فعادت المشكلة من جديد.
• أجريت دراسة خاصة عن دور الأيتام واختلفت مع الوزير العكاس وآخرين قبله حول أساليب إدارتها .. لماذا؟
لأن الذين تسلموا الملف أشخاص، لم يعملوا في هذا المجال من قبل وتم تكليفهم به من مواقع رئاسية فمارسوا التنظير وتركوا الواقع الذي لا يعرفه إلا المشرفون عليهم من الناس البسطاء الذين يأكلون ويتحدثون ويحلمون معهم ويشاركونهم أوجاعهم وأفراحهم ويميزون التعامل مع كل مرحلة عمرية ومتطلباتها ويستبقون المشكلات المتوقع حدوثها فيعالجونها وهو ما كان يحدث فتحول الحال لدرجة أن التعامل مع اليتيم ضاق في دائرة الوحدة والرقم فقط، وهذا الأمر سينتج لنا إنسانا ساخطا على مجتمعه ووحشا كاسرا راغبا في الانتقام من كل شيء، وخرجت من الوزارة غير راض كليا عن سياسة التعامل مع الأيتام.
• ومن الذي أفقدكم السيطرة عليهم؟
عندما تتداخل الصلاحيات، واسأل نفسك: لماذا أغلقت مؤسسة التربية النموذجية في الرياض، ويبحثون الآن عن حلول لها من الخارج، ولن يحلوها لأنه لا يعرف المشكلة ولا يحلها إلا ابن البلد، ولن يحل مشاكل الأيتام إلا ذوو الاختصاص وأنا أدعو صديقنا الدكتور يوسف العثيمين ليتبنى عملية جمع شتات الخبرات التي غادرت الوزارة في مجلس لهذا الغرض ليجتمعوا ولو لمرة واحدة كل شهر ليناقشوا موضوعا محوريا يخص هذه الفئة وأن يجمعهم برجالات الوزارة ليحدث التلاقح بين النظرية والتطبيق والممارسة.
• خرجت من منصبك ولم يتغير وضع دار الملاحظة في جدة إن لم يكن قد زاد سوءا .. لماذا؟
دار الملاحظة في جدة دفعت ثمن عدم وجود جرأة في اتخاذ القرار منذ زمن وتعيش حاليا وضعا سيئا جدا وتخرج للمجتمع أحياناً مجرمين أكثر مما تعالج، ووضعها الحالي لا يساعد على الإصلاح لا من حيث المباني ولا القوى العاملة والبيئة المحيطة بها، وكان المفترض أن يكون هناك تفرد في المكان والعقوبة والتأهيل وهذه أبرز الجوانب المطلوبة للدار.
• المشكلة في عدم وجود مخصصات مالية كافية؟
المشكلة أن الرؤية عطلت الاستفادة من المجتمع، ولن تتغير الأمور إلا اذا تغيرت فلسفتنا في التعامل معها، فالوزارة لديها أرض في جدة الجنوبية حاليا ويمكن الاستفادة منها في توفير مقر جديد به ورش ومعامل ومدربون وإجراء بروتوكولات شراكة مع التعليم الفني والتدريب المهني أوالقطاع الخاص وهناك من لديه استعداد لذلك ولكن لم يحدث شيء من هذا، بل لم يستفد من الموقع الحالي ببيعه وشراء آخر أفضل منه والمبنى الذي بني ليستوعب مائة وعشرين طالبا سعوديا فتحت أبوابه لأكثر من أربعمائة حالة من غير السعوديين، ويتهم العاملون فيه بأشياء لا صلة لهم بها، فالبيئة والمكان لا تساعدان على تحقيق أهداف ورسالة التأهيل وهذا الكلام المثالي موجود على الورق منذ أكثر من 35 عاما.
• وما دخل الأجانب بدخول دار الملاحظة؟
عندما سمحنا لهم بدخولها أصبح الواحد منهم يأكل ويشرب ويمارس الرياضة ويتفرج على التلفزيون آخر الليل وإذا أخرج من الدار عاود المحاولة؛ ليعود إليها لمايجده من مأكل وملبس ومكان للنوم ولاتسألني عن أسباب ذلك.
• تقصد عدم وجود أجهزة لمتابعتهم؟
هذا الجهاز من أخطر الأجهزة الغائبة في الوزارة ومن أكبر الأخطاء الفادحة التي نرتكبها في العمل الاجتماعي لأنه يقوم بتهيئة المجتمع الخارجي لاستقبال نزيل الدار، وإلى الآن لا توجد مكاتب متابعة ودور التوجيه التي يفترض أن تزداد أعداد الملتحقين بها تجدها تناقض طبيعة التغير الذي يحدث؛ لأن بعض المسؤولين يريد أن يريح نفسه ولايعلم أن الإصلاح عملية مستمرة ولاتتوقف وتحتاج إلى نفس طويل والتوفيق فيها عزيز، كما أن عمليات الترقية التي تحدث في الوظائف تكون عاملا مخلا ومحبطا لعناصر لم تلبث أن استقرت في مكان حتى يتم نقلها إلى مكان آخر تطبيقا لنظرية (أن من رقي لابد أن يباشر في المقر الجديد لعمله) فتحدث الثغرات في الدور ويرتبك العمل ويعيش الأبناء صراع التربية المشتتة من أستاذ لآخر، وهذا يستدعينا لنوجد نظاما للمؤسسات الاجتماعية يسمح بترقية الموظف ويوصله للدرجات العليا، بحيث يتواجد بين أبنائه المرتبطين به في منطقته حفاظا عليهم.
• كتبت دراسة مثيرة عن ظاهرة اللقطاء وصفها البعض بالتطرف والبعض الآخر أثنى عليها وحذرت فيها من خطورة التغيير الديموغرافي لبنية المجتمع .. فأين وصل العمل بها؟
هذا الموضوع فتح لي باب التهديدات والانتقادات من بعض الأصدقاء ولكنني من واقع ممارسة أشعر أن السكوت على وضع بعض الجنسيات الأجنبية المتخلفة في بلادنا سوف يحدث لنا نتائج تغيير خطيرة في تركيبة المجتمع على المدى الطويل؛ لأن الواحد منهم يسكن في عشة صغيرة فيتزوج بألف ريال خمس إلى ست زوجات ثم يطلق وينجب منهن أبناء وبنات ينشأون بيننا ويتكلمون بلغتنا ولهجاتنا ويعرفون عاداتنا وتقاليدنا ويخرجون غدا للمجتمع دون تأهيل أو تعليم أو تربية وكثير منهم يتواجدون بيننا ونراهم عيانا كل يوم والموضوع كما يقولون ليس خافيا وشهوده منه وفيه، ونظرة فاحصة على بعض أحياء جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة تحديدا ثم غيرها من المدن تكشف هذه الحقيقة.
• وعدد اللقطاء في تزايد طبعا؟
المسألة لا تحتاج إلى دراسات، فالنظر لعدد الرجال العاملين في بلادنا بدون أسر، والعاملات كذلك وبعضهن من طبقات أخلاقية متدنية تعطيك النتيجة المتوقعة، ومن المؤسف أننا لم نحسن ضبط أمورنا الاجتماعية ومن الطبيعي أن تزيد معدلات اللقطاء.
• لكن النظام الحالي يتيح التجنس لكل لقيط يولد في السعودية؟
عندما يتم السن النظامية، والنظام في مجمله من أحسن الأنظمة ولا مثيل له في حقوق الإنسان على مستوى دول العالم.
• وقد تستغل ثغرات النظام أيضا من قبل البعض؟
عندما يكون غير مهني وقد حدث أن لاحظ مدير مكتب المتابعة في وقت من الأوقات أن بعض الآباء من جنسيات أفريقية يتركون أبناءهم في الدور؛ لكي يحتضنهم أناس آخرون من بني جلدتهم وبالتالي فهم يحصلون على إعانة الدولة التي تتراوح مابين 1000 و1200 .. فخرج البعض ورفعوا قيمة الإعانة المقدمة لتكون بين 2000 و3000 ريال فأصبح الواحد منهم يحتضن ثلاثة أولاد أو أربعة بمبلغ يصل إلى اثني عشر ألف ريال في الشهر وهو راتب لا يحصل عليه موظف جامعي يكدح على رزقه فيما يستلمه الشخص الحاضن شهريا، وهو متمدد في بيته، وهذا من العيوب التي رفعت فيها بتوصيتي كعضو مجلس في منطقة مكة المكرمة ولا أدري أين وصلت الأمور.
• وما الذي قصدته عندما قلت في إحدى الصحف أن موظفا صغيرا في الوزارة يملك صلاحيات لا تتوفر لمن يوجد في المرتبة الرابعة عشرة؟
قصدت الإشارة إلى أن ضوابط الصلاحيات ومعاييرها غير واضحة .. فالدخول مثلا إلى مراكز التأهيل المهني من صلاحيات مدير إدارة التأهيل الاجتماعي ومن حقه أن يستثني فيما لا يملك مدير عام فرع بالمرتبة الرابعة عشرة هذه الصلاحية، وسبق لي أن انتقدت هذه المسألة فوكيل الوزارة تحته وكيلان مساعدان أحدهما للرعاية الاجتماعية والآخر للتعليم ولا تتجاوز صلاحية الأول المائة ألف ريال فيما يملك الآخر صلاحيات بمئات الألوف وكلاهما في درجة وظيفية واحدة ، وأنا لا أتحدث من فراغ فلدي كل المستندات التي تثبت هذا الكلام.
• يقال بأنكم غضضتم الطرف عن الجمعيات الخيرية حتى وقعت الفأس في الرأس؟
هذا كلام مردود عليه جملة وتفصيلا؛ فالجمعيات تعمل تحت مظلة الوزارة ورقابتها الفنية والمحاسبية، ولها مجالس إدارات وجمعيات عمومية ترسم سياسات عملها وعندما فتشت الجهات المسؤولة عنها وجدت أنها أكثر دقة وانضباطا لوجود محاسبين قانونيين يزورونها كل ثلاثة أشهر.
• بصراحة .. ما الذي أسفت على عدم إنجازه عندما غادرت الوزارة؟
أسفت على مضي سنوات لم نستفد فيها من إمكانيات معطلة، فالأماكن التي استأجرت لرعاية المرضى النفسيين لم يحدث لها شيء، والدار التي بناها الناغي في جدة منذ أربع سنوات لم يستفد منها إلى الآن، كذلك لم ينته العمل في دار الملاحظة في الطائف وكذلك مركز التأهيل في جدة والمفترض أن ينتهيا منذ زمن.
• أعرف أن لك امتدادات رياضية مبكرة لم تلبث أن توقفت؟
كنت ومازلت وحداويا فقد لعبت للفريق الأول مع الجيل الذي جاء بعد لطفي لبان، ولعبت قلب دفاع في مشاركات خجولة مع الفريق ولم أستمر لعملي كأخصائي في دار الرعاية في مكة المكرمة الذي تسبب في حصولي على خطابات كثيرة لتأخري عن التمارين، وكان ابن عمي عبد الحميد طيب أمين عام النادي يدفعني للاستمرار، لكن الكرة لا تؤكل عيشا تلك الفترة والمحيط الكروي لم يكن مشجعا ففضلت الابتعاد واستمررت ممارسا لهوايتي وكنت كابتن فريق معهد الخدمة طوال سنوات دراستي ولو خيرت بين الكرة والعمل الاجتماعي لما ترددت في اختيار خدمة الناس لأنني نشأت وتربيت على ذلك.
• تعتقد أنك دفعت ثمنا غاليا لصراحتك لتخرج من الوزارة باستقالة مسببة؟
قد أكون شعرت بالظلم طوال فترة عملي، ولكنني لم أندم أبدا على أي رأي أو قرار اتخذته وتحملت مسؤوليته من أجل الصالح العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.