تحتضن مقبرة المعلاة في مكةالمكرمة بعد ظهر اليوم، جثمان الباحث الراحل الدكتور ناصر بن علي الحارثي أستاذ الآثار الإسلامية، بعد رحلة طويلة وشاقة دامت قرابة ربع قرن تمازجت لديه علاقة مع الأحجار والشواهد في هذه المقبرة التاريخية لتتماهى إلى صداقة وطيدة بينها وبين الباحث الذي وضع مقبرة المعلاة في أولويات دراساته التاريخية؛ لتضمه اليوم إلى رفات سابقيه وكأنما تعترف بمعروفه تجاهها بعد أن استطاع أن يجمع منها 73 حجرا شاهديا وأثريا أثناء عمليات التوسعة التي قامت بها أمانة العاصمة المقدسة للمقبرة أخيرا، حيث تم إيداع هذه الشواهد بتعاون مع أمانة العاصمة المقدسة في متحف مكة للآثار والتراث وأصدر حولها الراحل كتابا أسماه «أحجار شاهدية من متحف الآثار والتراث في مكةالمكرمة» قبل ثلاثة أعوام تناول فيه أحجار المعلاة الشاهدية حيث تطرق إلى دراسة أكثر من 591 حجرا منقوشا. وتناقلت الأوساط المكية عبر الرسائل الهاتفية أمس موعد ومكان دفن الجثمان، حيث من المتوقع أن يشهد تشييعه مئات من الأكاديميين والمواطنين في مكةالمكرمة؛ عرفانا منهم بالدور البارز والمؤثر الذي لعبه أستاذ الآثار تجاه البحث العلمي ومكةالمكرمة وآثارها، مما أكسبه مساحة حب واسعة بين الشرائح كافة في مكةالمكرمة. وكان الباحث الأكاديمي الراحل قد أصدر قرابة 28 كتابا تاريخيا و40 بحثا علميا، وأثرى الحركة الثقافية والأدبية والتاريخية بمقالات ومشاركات كثيرة ومتعددة طيلةحياته. رحلة الزهد وعلى بعد مسافة أمتار من هذه المقبرة التاريخية وتحديدا في أسواق الجعفرية، جلس أمس في حسرة وألم العم سعد بن حسين الحارثي الخبير في الآثار والصديق المقرب إلى قلب الراحل (كما جاء في وصية الأخير) مسترجعا سنوات قضاها معه في رحلة ملاحقة الآثار في مختلف المدن داخل المملكة وخارجها، وما كان يبذله من جهد ومال ووقت في سبيل العمل في هذا المجال المهم. يقول ل «عكاظ» العم سعد في حديثه: رحل الدكتور ناصر الذي كان مخلصا لعلمه وعمله، ولم يكن يسعى إلى منصب في حياته بل كان كل ما يشغله هو الآثار وجمعها وتوثيقها فقط، وقد ارتحلت معه إلى الرياض، نجران، الباحة، الطائف، ومدن عديدة، حيث كنا نقضي فيها الليالي والأيام بين الجبال والأماكن الوعرة، ليس هذا فحسب؛ بل كان الدكتور ناصر يحرص على متابعة التوسعات التي تشهدها المنطقة المركزية وذلك بحثا عن الآثار في هذه المنطقة، وقد نقل أكثر من ثلاثة أطنان من آثار هذه المنطقة بينها فخار وأخشاب وغيرها إلى متحف مكة، وسجلها هناك حيث كان ينزل إلى أعماق 15 مترا أثناء عمليات الهدم بحثا عن تلك الآثار وكنت أساعده في نقلها. وأضاف ابن حسين: كان الراحل يحب الآثار الإسلامية حبا لا يوصف، فهو يحبها كما يحب أولاده، وهذا ما لمسته منه أثناء عملي معه طوال 25 عاما وما زلت أذكر الساعات الطويلة التي كان يقضيها في رحلاته الاستكشافية، وفي إحدى المرات استنفر الجهات المعنية كافة لنقل حجر ضخم من الكعكية عليه نقوش إسلامية إلى متحف مكة، وقد استغرق ذلك قرابة 10 ساعة ولم يهدأ له بال حتى استقر هذا الحجر الضخم في المتحف، وامتدت اهتماماته إلى حرصه على تسجيل كل الآثار الإسلامية في المتحف، وقد سجل ما يربو على ألفي قطعة تراثية، وهاهو الآن يدفن في مقبرة المعلاة هذه المقبرة التي قضى فيها أياما وليالي بحثا عن تلك الأحجار الأثرية، ونجح بخبرته في تسجيل 73 حجرا وشاهدا أثريا هي الآن في متحف مكةالمكرمة.