الشغب الذي شهدته مدينة الخبر خلال احتفالات اليوم الوطني لم يلق اهتماما من جانب كتاب الرأي في الصحافة المحلية، ولربما اهتم بعضهم كما فعلت لكن ما كتب لم يصل إلى القراء للأسباب المعروفة. كنت قد دعوت في ذلك المقال إلى النظر للموضوع من الزاوية الاجتماعية، أي باعتباره ناتجا ثانويا للتحولات السريعة في الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والثقافة. الخبر الذي نشرته «عكاظ» يوم الجمعة يقول إن إمارة المنطقة تسعى لدراسة ما حدث من الناحية الاجتماعية والنفسية والسلوكية... إلخ. وهو اتجاه مطلوب وضروري في التعامل مع الحوادث والتوترات الاجتماعية. وأتمنى من كل قلبي أن يتحول هذا إلى منهج عام تلتزم به كافة دوائر الدولة في جميع المناطق. بناء القرارات على أرضية البحث العلمي يجعلها أقرب إلى حقيقة المشكلة وأكثر فاعلية وتأثيرا في معالجتها. لا بد من التنبيه طبعا إلى أن العلم ليس حلا سحريا لكل مشكلة، لكن كل عاقل يختار بالفطرة طريقا مضاء كي يصل سالما إلى مقصده. والعلم مثل النور الذي يضيء الطريق. الشغب وتخريب الممتلكات أو إزعاج المواطنين أو التشويش على أفراحهم، في أي مناسبة، لا يقبله أحد مهما كان موقعه. كل عمل يخالف عرف العقلاء مرفوض في اي ظرف ، فكيف اذا جرى في ظرف فرح وطني ، وكيف اذا كان في مناسبة غرضها الاساس تكريس الوئام بين المواطنين واحتفال بعضهم بالاخر واحتفالهم جميعا بمجموعهم. هذه الأعمال مرفوضة بالتأكيد. لكننا مع ذلك لا نفترض أن كل شيء نفعله سيأتي كاملا خاليا من أي عيب. في كل عمل ثمة عيوب تظهر مهما حاول القائمون عليه ضبطه والتأكيد على كماله. هذه العيوب قد لا تكون ثمرة للعمل ذاته وقد لا تكون لها علاقة بالعمل أصلا، بل هي انعكاس لتأثيرات خارج نطاقه. وأظن أن ما جرى من شغب في اليوم الوطني هو من هذا النوع من العيوب. لعل بعض الناس قد بحث عن أولئك الذين يرون في الاحتفال مخالفة لأعراف موروثة. لكني أظن أن ما جرى لا علاقة له بهؤلاء. ما يهمني في هذا الصدد هو التأكيد على الحاجة الماسة إلى دراسة وسائل الاستيعاب الاجتماعي للجيل الجديد. تقول بعض التقديرات إن نسبة الشباب تحت العشرين تقترب من نصف العدد الإجمالي للسعوديين، أي أن كل عائلة سعودية لديها شخص واحد على الأقل في المرحلة العمرية بين 13-20 سنة، وهي المرحلة التي يدخل فيها الفرد مرحلة الصراع الداخلي من أجل اكتشاف الذات وتحديد الهوية، أي خلق عالم ذي معنى للاندماج فيه. لا أرى أننا قد أعددنا ما يكفي من الوسائل الضرورية لاستيعاب هذا العدد الكبير نسبيا من الشباب، استيعابهم بمعنى مساعدتهم على انتخاب طريق سريع للاندماج والتكيف مع الواقع الاجتماعي الجديد، الواقع الذي يختلف بالضرورة عن ذلك الذي يعرفه ويألفه أو يرتاح إليه آباؤهم ومن هم أكبر سنا. في مثل هذه الأوقات تتغير العلاقات الاجتماعية والثقافية ووسائل تحديد الهوية والمكانة بسرعة واستمرار. ويريد الشاب، مثل كل إنسان آخر، مكانا يعرف نفسه به، ويحدد من خلاله موقعه في شبكة العلاقات الاجتماعية، وطريقه فيما يأتي من السنوات. نحن بحاجة إلى دراسة معمقة للعوامل الفعلية التي تسهم في تحديد سلوك الشباب في تلك المرحلة العمرية، العوامل الموجودة فعلا في مجتمعنا. كما نحتاج إلى مناقشة علنية للخطط والبدائل الممكنة ودور المجتمع المدني والدولة في اصطناعها وتفعيلها. ربما نلوم الشباب الذين ارتكبوا تلك الأعمال، لكن النظر إلى ما جرى باعتباره مشكلة عامة تحتاج إلى علاج استراتيجي وعلمي، هو الذي سيكشف لنا عن كيفية تحويل هذه المرحلة العمرية من هم إلى فرصة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة