أكبر المصائب التي تبتلى بها الأمم هو تفريغ العقول من كل مفيد وإغلاقها بسياج حتى يصون أصحاب المصالح مصالحهم من عبث العلم، والتستر بالموروثات الاجتماعية وغيرها خشية التجديد. إن مصادر التغذية العقلية في المجتمع ميتة، وبعبارة أدق لايمكن الاعتماد عليها في صناعة نهضة، فأبرز تلك المصادر هي مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي وهي إلى اليوم تعيد إنتاج الماضي، فبعض الكتب مؤلفة قبل عقود كمقررات جامعية ولازالت في الخدمة تدرس، وهذا يعني أحد أمرين إما أن تلك الكتب لم تتغير منذ تأسيس تلك الأقسام والكليات، أو أن أساتذة تلك الكليات توقف نموهم الفكري في تلك الحقبة، وما على مخرجات التعليم والتنمية والوطن والمجتمع إلا تحمل نتائج تلك الجرائم الأكاديمية. أما على صعيد مؤسسات التعليم العام فحدث ولاحرج، فالمقررات تعاني الجمود والتغيير الشكلي وصور الكتب تفقد الطلاب حاسة الإبصار لقدمها وبشاعتها، والمحزن أن بعض تلك المقررات يشترك في تأليفها 25 شخصا ما بين مؤلف ومراجع وللأسف كل تلك الممارسات تتم تحت مسمى تعليم. تلك المناهج لم تنجح إلى اليوم في فك حصار العقول من رواسب الموروثات الاجتماعية ولم تنقحها مما خلفه الزمن، وأصبحت الموروثات الاجتماعية عبارة عن تخليف وتوريث، ولازال المجتمع يتجرع مرارات الالتزام بها ويمثل بها أصحاب المصالح للحفاظ على مصالحهم في ظل مجتمع أعاق تقدمه الانغلاق. لم تنجح مصادر التغذية العقلية إلى اليوم في الفصل بين العادات والتقاليد، والبعض بكل أسف يراها جزءا من الدين، والحقيقة أن العادات هي نتاج لما اعتاد الإنسان العربي على فعله قبل عقود إن لم تكن قرون، وكانت الأنسب لبيئته وممارساته الحياتية البسيطة المحدودة. أما التقاليد فهي الإرث الثقافي والصفات التي تميز الأمم عن غيرها كالشجاعة والوفاء واحترام الضيف وإكرامه وغيرها، والعجيب أن الكثيرين في المجتمع التزمموا بالسيئ من تلك العادات وذابت التقاليد والصفات الأصيلة مع بداية عصر الطفرة. إن مصادر التغذية العقلية لم تنجح أيضا في فك أسر العقول من نوعين من أنواع العنف المورثة اجتماعيا وهما العنف اللين والعنف التربوي، فالأول يتمثل في العزل الاجتماعي والحرمان وغيرها من الأساليب السياسية والتي تهدف إلى السيطرة على الأفراد لتحقيق نفع اقتصادي، وأما التربوي منه فيمارسه الأب والمعلم على الطلبة والأبناء، والمؤسف في هذا النوع من العنف أن ممارسته لايقصد منها الإيذاء، وفي المقابل آثاره النفسية على المعنف بهم وخيمة، ويجني حاضر المجتمع والأحفاد وأحفاد الأحفاد مرارة تلك الممارسات، ومع كل ذلك وفي القرن الحادي والعشرين ومع تطور العلم ومظاهر الحياة الحديثة لم تتمكن مصادر التغذية العقلية من وقف نزيف تلك الموروثات. إننا في المجتمع وبكل أسف ومرارة لم نقيم ممارساتنا ولم تنجح مصادر التغذية العقلية في صناعة وعي وقيم حياة يحيا بحياتها المجتمع. مصادر التغذية العقلية تحدد مصير الأمم، فاليابان كانت تعيش عزلة تاريخية وانغلاقا وقيما بالية لم تكن تعلم بها إلى أن دقت أجراس الحرب العالمية الثانية والتي حصدت من مغامرة التجربة الأمريكية للقنابل الذرية سبعين ألف ياباني، فاستيقظت اليابان على التهديد بكارثة الفناء مما جعلها تفوق بعد سنوات سبع من هزيمتها في الحرب، وهنا أتساءل هل يجب أن نكون تحت التهديد بالفناء حتى نفوق؟ سيجيب على هذا السؤال العقلاء والمبتلون بالتفكير في المجتمع!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 246 مسافة ثم الرسالة