أي مشروع يسمو للبناء والارتقاء بالمجتمع يلزمه القيام بوظيفتين.. وظيفة هدم للثقافة السلبية المتراكمة ابتداء، ووظيفة البناء على المخزون الإيجابي السابق والثوابت التي تشكل هذا المجتمع وتضمينها بمضامين نهضوية جديدة تسمح له بالانتقال من نقطة حضارية إلى نقطة حضارية أخرى. وهكذا هو المشروع الإسلامي منذ محاولاته الأولى في البروز بعد تلاشي العباءة الإسلامية الكبيرة التي كانت ولو صوريا تحافظ على ملامح كيان وحدوي يضع له الآخرون حسابا آخر عن ما يحدث في واقعنا القطري الحالي. هكذا هو المشروع الإسلامي لم يحاول الانفكاك عن هذه الثنائية ثنائية الهدم البناء مستخدما أدواته النقدية ووسائله المتنوعة في سبيل ذلك، لكن الإشكالية تبرز حين يقرر المشروع الإسلامي نقد الواقع الذي تعايش معه المجتمع رغم سلبيته وحين تهب رياح النقد على هذا المشروع الإسلامي وعلى مؤسساته المختلفة نرفض مجرد اعتبار الناقد صاحب رأي ونتجاوز الفكرة إلى صاحبها فكأننا نقدم عمليا أطروحة مضادة لما نسعى إليه، فتصبح حالة رفض النقد كأحد مسلمات بناء حراكنا الإسلامي. العمل الإسلامي كجزء من المجتمع قائد كان ينبغي عليه أن يرتقي هو فوق المراحل ويتجاوز الواقع إلى ما هو أسبق استراتيجيا من خلال تقديم أطروحاته للنقد وترك فرص التحاور معها، حتى يشعر الإنسان العادي أنه جزء من هذا المشروع الذي يظلل الأمة بظلاله. الحال يشهد أن واقعنا السلبي في المجتمع لم تنعتق منه مؤسساتنا الدعوية بأفكارها وتصوراتها المختلفة في عالمنا الإسلامي الكبير، فظلت تنتقد وتستعصي على الانتقاد وظلت تنادي بالحرية والتداول السلمي وهي عاجزة في كثير منها عن أن تقدم نموذجا للتداول السلمي في العمل الدعوي، ناهيك عن غيره في مناطق العمل الإسلامي السياسي والاقتصادي الكبير، نعم هي ثقافة كما نكرر دائما، ولكنها ثقافة تطبيقية وليست كتبا تدرس أو قراءات توزع فقط! إذا لم نصحو كمؤسسات إسلامية على واقع نقدي شفاف ومتجرد يرنو للإصلاح فسنجد أنفسنا خارج أسراب التأثير في المجتمع، وسيشكل تخوفنا من النقد واعتقادنا أن المساس بما هو من أفكارنا مساس بذات الإسلام (وهو خطأ وجريمة في الفهم، فالأفكار البشرية مهما علت قيمة صاحبها تظل أفكارا بشرية غير معصومة)، سيشكل هذا التخوف مرحلة انعزال خطيرة عن الإنسان الذي نعيش معه ويعيش معنا وهو هدف الرسالات الأسمى. نحن بحاجة إلى ثقافة نقدية تؤسس بروح إيجابية للتعاطي مع هذا الهدم البناء المطلوب في كل مرحلة تصحيح وتطور حقيقية للأمم. نحن بحاجة لأن يتحول الناقد إلى عقل مفكر في نظرنا لا إلى عدو لدود!. @كاتب وإعلامي سعودي [email protected]