على ارتفاع 3000 متر عن سطح البحر تكمن الأسرار، هناك إلى الشمال الشرقي من جازان حيث محافظة بني مالك القابعة بين الجبال الشاهقة التي تربو على التسعة جبال، في بني مالك كل شيء صعب ووعر ومعقد، ما عدا البسطاء من الناس هناك، ويومياتهم ملتوية بالتواء مسالكها الجبلية، إذ يقع الناس في الغالب داخل دائرة الخطر، مابين انهيار صخري من جنبات جبالها غير المثبتة هندسيا المرصود لها 40 مليون ريال في الميزانية المالية الأخيرة تحت بند الصيانة الوقائية، أو من الغرباء الآتين عبر الحدود ليزاحموا السكان في قوتهم اليومي والمتعاملين معهم بسلوك فارط يصل إلى حد الخطف. «عكاظ» قامت بجولة في محافظة بني مالك وخرجت بالتحقيق التالي: غرباء في بني مالك المنظر العام لمحافظة بني مالك بما فيها من قرى وهجر يوحي بالوداعة، لكن الصورة ليست كذلك، فالجمال المحيط بالمكان يحمل قبحا من نوع آخر، فالجبال الشاهقة في بني مالك أصبحت طريقا للمتسللين الآتين من القرن الأفريقي والطرق المتعرجة أصبحت طريقا لتجار الحدود، ففي بني مالك تسعة جبال تنحدر منها أودية على جنباتها مرابع ومضاجع، وبات مألوفا للسكان أن يروا الخادعين في الأودية ساعات النهار، وأصوات الحجارة المنحدرة من عل، نتيجة ارتقاء الهاربين الحفاة عليها ليلا، في بني مالك تجد اختلاط النقيض بالنقيض، فالفلاح البسيط الذي يبدأ يومه مع الانتهاء من صلاة الفجر، تتولى شؤون نظافة منزله الريفي، إمرأة أتت من أدغال أفريقيا، عبر البحار، وهي تحمل ثقافة (التثليث)، ساهم في وجودها بين جدران منزله، وفي قريته الوادعة، شخص من بني جلدته مارس ويمارس تجارة التهريب عبر الحدود، غير آبه بالعواقب. في قرى وهجر بني مالك الحدودية، كثيرا ما سقط المتسللون والمتسللات أمام المراكز الصحية، يئنون من وطأة المرض ومن شدة الإعياء جراء السير مسافات طويلة بطول الجبال التسعة، عندما يشاهد السكان الأصليون، عابري البحار بين ظهرانيهم، ترتفع أصواتهم متذمرة من تجار الحدود، يقول أحد السكان: لم نكن طاردين لقاصدينا على مر العصور، وعاداتنا توجب إكرام الغريب، لكن ماذا نفعل معهم وقد أتوا بما يخالف ما ألفناه. هكذا قال يحيى المالكي الذي يرى أن أكثر ما يقلقه، هو ما يحمله الغرباء من سلوكيات تمس الأخلاق بصورة مباشرة، والخشية على صبية بني مالك من الانزلاق وراء السلوكيات المشينة، هكذا قال. يرتبط أهالي بني مالك بنسيج قبلي موغل في القدم، يرى مسعود المالكي، وهو الذي رصد كثيرا ظاهرة وجود الغرباء في وديان بني مالك أن الأعراف ربما تختل إذا ما استمر العبث، نتيجة تداخل مايؤمن به متسلل مع مواطن عاش في منأى عن ما هو غريب، لعشرات السنين. ويتمتع المتسللون عبر الحدود بجلد كبير على السير، وسط تضاريس وعرة، لذا يؤكد المواطن جبران محمد أن ذلك كان مدعاة لاستخدامهم من قبل مهربين، لإيصال أسلحة ومخدرات. الخلافات والصلح ومن الظواهر الاجتماعية لمجالس حل الخلافات ظاهرة الصلح، وهو عرف اجتماعي قبلي قديم، يقول الشيخ الكبيشي حوله لكل قبائل عاداتها وتقاليدها في عملية الصلح، وعادات الصلح لدى القبائل السعودية اليمنية تبرز في وقت خصومات أو قتال بين عشيرتين من القبيلة يحضر حالا مشايخ العشائر غير المشتركة في النزاع ويحضر شيخ شمل القبيلة إذا أمكن وينادون على مشايخ وأعيان العشيرتين فينادونهم بقولهم: يافلان أنت في وجه فلان ويذكرون أسماء مشايخ وأعيان لهم الاعتبار والتقدير عند الفريقين فيتوقف النزاع بينهم كل في مكانه، ومن ثم يشير المنادون على شخصين لهم اعتبارهم القبلي (السواقة) فيدخلون إلى موقع الفرقاء ويدعون رؤساء المتقاتلين ويقدمونهم إلى أحد مشايخ القبيلة للحكم في القضية وبحضورهم عند الشيخ يطلب منهم «مواثيق» وبعضهم يسميها «رباخ» عبارة عن أربع بنادق (سلاح) أو أكثر أو أقل على قدر حجم القضية وبعد أن يحضروا البنادق يطلب من الفريقين ضمان يتعهدون بتنفيذ ما يحكم به في القضية وبطبيعة الحال فالحكم لا يزيد عن: رد مفقود من المال أو السلاح أو دفع جناية. طلب العفو ومن ضمن عادات مجالس الصلح أيضا إطلاق الأعيرة النارية كنوع من أنواع العادات القبلية التي عرفت بها هذه القبائل. إضافة إلى رمي الأسلحة وغطاء الرأس على الأرض من قبل الفريق المعتدي والذي يطلب العفو في تقليد قبلي متعارف عليه يسمى (الجاهة) ثم يتقدم الوفد الذي يطلب العفو ويتحدث عنه شيخ الشمل طالبا العفو والصلح وراضيا بالتحكيم القبلي، فيقوم شيخ شمل الفريق الذي بيده العفو مرحبا به وبمن أتوا معه ومرحبا بطلبه وبعد ذلك يحل الفريق المعتدي ضيفا على الفريق المعتدى عليه ويتم عقد جلسات الصلح. عادة النقا ومن العادات الاجتماعية التي ترافق مجالس الصلح أو احتفالات الصلح أيضا يقول الشيخ الكبيشي بعد أن يتم الصلح بين القبيلتين المتخاصمة وإرضاء القبيلة المعتدى عليها تقوم القبيلة المعتدى عليها من أي الطرفين بالذهاب إلى موقع القبيلة المعتدية لتقديم عرف قبلي يطلق عليه (النقا) والمقصود بهذا العرف هو نقاء نفوس أفراد القبيلة المعتدى عليها وصفاء نفوسهم وطي المشكلة إلى غير رجعة وعدم حمل الضغينة على القبيلة المعتدية، حيث يتوجه عدد كبير من أبناء القبيلة المعتدى عليها وبعض رجالها يحملون قماشا أبيض يتراوح طوله من عشرة أمتار إلى اثني عشر مترا يحمله شخصان من أطرافة وشخص من الوسط ويسيرون به وأثناء سيرهم يرددون الأناشيد القبلية والشعر حتى يصلوا إلى موقع القبيلة المعتدية ويقومون بإطلاق النار في الهواء وتقابلهم القبيلة الأخرى بالمثل ترحيبا بهم ويعتلي مشايخ القبيلة المعتدى عليها مكانا مرتفعا في نفس الموقع ويلقى بعضهم كلمات يوضح فيها أن حقهم قد عاد لهم وأنهم راضون بما قدم لهم من رد اعتبار وأنهم يؤكدون أن نفوسهم قد طابت وأن المشكلة قد انتهت وهم لا يحملون أي ضغينة أو حقد على القبيلة المعتدية.