اعتدنا أن نسمع كثيرا من القصص التي تروي أخبار الرجال الذين وقعوا في الحب فمرضوا أو جنوا أو ماتوا بسبب ذلك، مثل قيس بن الملوح وقيس بن ذريح وعروة بن الورد وجميل وتوبة وغيرهم، لكنا لا نكاد نسمع قصصا مماثلة تروي أخبار نساء عاشقات حدث لهن مثل ذلك. وكنت أظن، «ومعظم الظن جهل»، أن النساء لا يصيبهن الحب بموت أو مرض أو جنون أو غيره من صنوف الدمار، لأنهن محصنات «بحكمة واتزان وضبط للعواطف» يبعدهن عن الانسلاخ من عقولهن أو بذل أرواحهن بسبب الوقوع في العشق، إلا أني سريعا ما تبينت ضلال ظني بعد أن قضيت أحد أيام رمضان التي أصابني فيها الفتور وكلال الذهن، أطالع في كتاب «ذم الهوى» لابن الجوزي رحمه الله، وكنت لجأت إليه متوسمة فيه قراءة خفيفة تسلي ولا تجهد، وتصلح للصائم الذي يحرص أن لا يفسد صيامه بلغو الحديث. فتحت الكتاب على باب «الآفات التي تجري على العاشق من المرض والضنى والجنون وغير ذلك»، وكان مليئا بأخبار أولئك المساكين الذين وقعوا ضحايا الحب، منهم من مات حسرة، ومنهم من جن قهرا، ومنهم من ابتلي بالشقاء المستديم، ومضيت أقرأ تلك الحكايات وأنا أستعيذ بالله من الشيطان وقدرته على إغواء أولئك الرجال «الأشداء» إلى أن فقدوا عقولهم وبذلوا أرواحهم من أجل الهوى، واستبد بي العجب من ضعف الرجال، وسرعة انهيارهم أمام أهوائهم، وعجزهم عن تحكيم عقولهم، وكيف أنهم لم يتعلموا من حبيباتهم الجلد والصبر ومغالبة النفس. لكني فجأة وجدتني أقف ذاهلة عند قصة صدمتني، فأفقدتني لذة ذلك الزهو المبطن في أعماقي بجلد النساء وصبرهن، كانت القصة تروي خبرا عن عاشقة ماتت بسبب الحب، ثم قصة أخرى عن عاشقة جنت، وثالثة ورابعة عن أخريات فقدن الرغبة في الزاد والنوم والابتسام والابتهاج، وانكببن على البكاء والنواح حتى صارت خدودهن الأسيلة مطرزة بمسار الدموع. فانهار عندي الشموخ بعد أن قالت هذه الحكايات إن بني آدم، ذكورهم وإناثهم، كلهم في الهوى سواء. من قصص العشق الطريفة التي يسردها ابن الجوزي في كتابه ما روي عن الأصمعي أنه قال: «رأيت بالبادية رجلا قد دق عظمه وضؤل جسمه ورق جلده، فتعجبت فدنوت منه أسأله عن حاله، فلم يرد جوابا، فسألت جماعة حوله عن حاله فقالوا أذكر له شيئا من الشعر يكلمك، فقلت: (سبق القضاء بأنني لك عاشق، حتى الممات فأين منك مذاهبي) فشهق شهقة ظننت أن روحه فد فارقته، (..) فقلت له أخبرني عنك، قال: إن كنت تريد علم ذلك فاحملني وألقني على باب تلك الخيمة، ففعلت، فأنشا يقول بصوت ضعيف يرفعه بجهده: (ألا ما للمليحة لا تعود، أبخل بالمليحة أم صدود، فلو كنت المريضة جئت أسعى، إليك ولم ينهنهني الوعيد)، فإذا بجارية مثل القمر قد خرجت، فألقت نفسها عليه فاعتنقا، وطال ذلك، فسترتهما بثوبي خشية أن يراهما الناس، فلما خفت الفضيحة فرقت بينهما، فإذا هما (ميتان)». فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة