بدا كل شيء في جنيف مرتبا لانطلاق المؤتمر العالمي حول «مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية» غدا. حركة دؤوبة لا تهدأ منذ الصباح، خصوصا بعد وصول الرحلة المقبلة من المملكة التي تضم المشاركين وبعض أعضاء اللجان الذين تخلفوا عن رحلة الجمعة الماضية التي تأخرت في مطار جدة نحو خمس ساعات، بعد أن كان من المقرر مغادرتها الخامسة والنصف فجرا. الحوار الشامل متخصصون في مجال الحوار قبل انطلاق المؤتمر طالبوا في أحاديث ل «عكاظ» بتفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار، مشيرين إلى أن مواصلة الحوار العلمي المنهجي يعزز العلاقات الإنسانية والسلام العالمي في مواجهة صراع الحضارات المنذرة بالصدامات العنيفة والحروب المدمرة. فرئيس لجنة الحوار والعلاقات الإسلامية في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر الدكتور علي السمان دعا إلى ميثاق للحوار يؤكد على الأفكار والقيم والأهداف التي يحددها أهل الحوار، طارحا فكرتين لنجاح الحوار، هما: الاستعداد للنقد الذاتي؛ لأنه احترام للنفس والغير، ورفض للإصرار على احتكار الحقيقة، والثانية: رفض التعميم، فلا نتكلم عن الأديان ككل. وقال سمان: إن الإسلام علمنا في آدابه ألا نعمم، فكلماته سبحانه وتعالى حين تذكر جماعة من الناس تفصل وتفرق بينهم، فنقرأ: «قليل منهم أو البعض منهم أو كثير منهم دون التعميم على الجميع». وأضاف: «إن النقد الذاتي ورفض التعميم أسلوب حضاري، وحينما نضعه داخل إطار ميثاق للحوار فإننا نبادر بعمل سينضم إليه الآخرون»، مشيرا إلى أنه يفضل الذهاب إلى الحوارات المتخصصة وعلى رأسها حوار أتباع الأديان انطلاقا من مبدأ أن كل دين يمثل إضافة في قيمة معينة إلى الدين الآخر، بحثا عن قيم مشتركة وأرضية للتعاون بينهما. ورأى أن الحوار بين الشرق والغرب لا يقتصر على حوار أتباع الأديان، إنما هناك حوار اقتصادي يتكلم بلغة العصر في إقامة مشروعات مشتركة، يسعى فيها عالمنا لأن يأخذ مساحة من رصيد التكنولوجيا حتى لا نصبح ناقلين ومقلدين فقط. وشدد على ضرورة نقل الحوار من النخبة إلى القاعدة العريضة للرأي العام، والعمل على صياغة ميثاق لأخلاقيات الحوار وعلى رأسها رفض التعميم في الأحكام، وتفعيل دور الإعلام ليساعدنا في تخطي لغة المؤتمرات، ولتهيئة المجتمع الدولي لتقبل الحوار. دور الإعلام أما عن دور الإعلام في نشر الحوار، فأكد رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشعب المصري أستاذ القانون الدكتور نبيل لوقا بباوي بأن الإعلام جزء جوهري لإشاعة ثقافة الحوار والتعايش بين الشعوب، «لأنه من المتفق عليه أن وجدان الفرد والشعوب تتشكل من خلال منظومة ثلاثية الأضلاع؛ الإعلام والتعليم والثقافة، خصوصا الاتصال الجماهيري الذي يكتسب أهمية في صياغة فكر ووجدان الشعوب»، موضحا أن عقد مثل هذه المؤتمرات تأكيد لمبدأ الحوار والتعايش بين الشعوب، مبينا أنها خطوة حضارية من خادم الحرمين الشريفين، خصوصا أنه رمز إسلامي مقبول للجميع في العالم كله. في المقابل، أبرز رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الدكتور أيوب كولير حاجة المسلمين في الغرب إلى مثل هذه المؤتمرات التي تمهد لهم لحياة آمنة ومستقرة في الغرب، مؤكدا أن خادم الحرمين الشريفين عندما أعطى الحوار أهمية فتح صفحة جديدة ليس في العلاقات الثقافية بين الدول فقط، وإنما في مجال العلاقات السياسية والاستراتيجية أيضا. قاعدة المعرفة المدير التنفيذي للمركز الأردني لبحوث التعايش الديني نبيل حداد، رأى من جانبه أن الحوار الحق ينهض على قاعدة المعرفة الرصينة، مشيرا إلى أنه ينطلق من قاعدة أن التعدد والتنوع شرعة إلهية وسمة من سمات الوجود يتجاوز فكرة القبول السلبي الاضطراري بالآخر، كما لو كان مجرد إضافة إلى فكرة أن الآخر شرط مؤسس ل «الأنا». واعتبر أن الحوار ليس السكوت عن الآخر، بل هو استدعاء له، ليكون محاورا وشريكا في تكوين الحقيقة التي تتشكل من هذه الشراكة بالذات، وهو ليس خيارا بين خيارات يمكن للأحوال السياسية والدينية والحضارية في العالم أن تستقيم بوجوده أو انتفائه، بل هو الخيار الإلزامي والمعبر الضروري إذا شاءت البشرية أن تنمو وتزدهر، وأنه القيمة التي تجعل الحياة ممكنة في الأساس وقادرة على أن تهزم الكراهية والعنف والموت والحروب والدمار. ففي غياب الحوار لا ثقافة للسلام ولا أساس فلسفي للسلام نفسه.