من خيمة عزاء، تتبع العيد، وتسبق العيد. تتبع عيد الفطر، وتسبق عيد الوطن. العمائم البيضاء، اختلطت بسواد سرادقات العزاء. والأشمغة الحمراء، زادتها أشلاء الضحايا، دما على دم. هذا الإسفلت المتعطش للدم حتى يوم العيد، لم يراع فيه مصمموه قياسات مواسم الذروة، لذلك يؤتي أكله كل موسم عيد أفواجا من الجثث وسرادقات من التعازي والبكاء. في ولاية كاليفورنيا، قررت بلدية المدينة إلغاء تخطيط شارع بأكمله، واستبداله بآخر، لأن مرور عشرة أعوام على إنشائه أفادت بوجود 23 حادثا في هذه المدة. وللعلم: لم تسجل حالة وفاة واحدة طيلة السنوات العشر، إلا أن لجان المدينة رأت من السوء والإهمال أن تترك شارعا بمثل هذا الحجم من الكارثية!. وهذا الطريق الجنوبي الذي أحكي لكم عنه، والذي كثيرا ما احترف الطعن في صميم قلبي، وهو يحترف تمريغ مساحات سواده بعباءة أخت متخرجة، ودفتر تحضيرها، والهدايا التي جلبت للطفلات المنتظرات في ردهة الصف البعيد. وشماغ الطالب العريس، وثوبه الأنيق، لما يغلق هاتفه من محادثة خطيبة العمر. هذا الطريق أدمن فجيعتي، وفجيعة القاطنين على بؤر الموت من آخره. وليس من هزء أن يسجل معتوه وهو صدوق على مطلعه: «الداخل مفقود ، والخارج مولود»! من خيمة عزاء، حيث ثلاثة إخوة أشقاء، من أم وأب وقرية وفجيعة واحدة، ما ودعوا بنيهم بما فيه الكفاية، لأن انفلونزا الخنازير أحقر من أن تخيفهم، لكنهم ما علموا أن انفلونزا المسامير والحديد والإسفلت كانت لهم بالمرصاد. ولأن العمرة لم يكن من مناسكها يوما، أن يتضرج الإحرام الأبيض بالدم، حتى يتم استبداله بالكفن. وأن يحلق ماتبقى من العمر بدلا من شعر الرأس. ***** لا أحد سيخبر طلابهم في أول يوم من الدراسة أن الفاعل مهندس لم يحظ بشهائد جودة، ولا مواصفات أمان كافية لأن تعيد لهم استاذهم، والضحكة التي يزرع على قلوب الفتية، والأحلام .. لقد اغتالوها أجمع. لا أحد سيقول لأمه أن بنيك الآخرين مهددون أيضاً، ما دام الطريق هو الطريق، وما دامت الحفر هي الحفر، وما دام الموت هو الموت. لا أحد سيعتذر للزوجة الشابة عن تأخر زوجها في ثلاجة المشفى الباردة، وأنه ليس عليها أن تراه، لأنها لو فعلت، لن تعرفه أصلا.. الدروب لازالت متخمة بالراحلين الذين لا يصلون، والعيد.. صار موسم عزاءات، ومسؤول المواصلات قد لا تنتظره أمه في قرية نائية، والعيد الذي كانوا يحسبونه بداية الفرح، أضحى مدار تذكارات الحزن. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة