ظل العالم الإسلامي منذ سنوات في حلم ظهور مشروع القمر الصناعي الإسلامي لتوحيد الأهلة، ويعتقد البعض أن المشروع قد فشل قبل ظهوره، إلا أن مفتي مصر الدكتور علي جمعة يؤكد عدم فشله، موضحا بقوله: «المشروع لم يفشل بعد، ولكن نحن الذين فشلنا في الإسراع به، فالمشروع لا يزال قائما، والاتصالات تجرى لإتمامه، بهدف توحيد المفاهيم التي لم تتم حتى الآن، وقد انتهينا من عمل نموذج القمر الصناعي الإسلامي، وهناك خطوات، لكننا غير راضين عنها، لأنها أبطأ مما نتصور».. يتحدث جمعة حول هذا الموضوع وغيرها من الموضوعات الأخرى في الحوار التالي: مدارس مختلفة • لماذا هذا البطء في ظهور مشروع القمر الصناعي الإسلامي لتوحيد الأهلة رغم الإعلان عنه منذ سنوات؟ - السبب اختلاف الثقافات والرؤى في تحديد بدايات الشهور الهجرية، كل واحد له مدرسة معينة ومدخل محدد يدخل به للموضوع، لكن عندي أمل كبير جدا أن يتم التوحيد في رؤية أهلة الشهور الهجرية على مستوى العالم الإسلامي، حتى من غير القمر الصناعي الإسلامي، وذلك لو بدأنا نتفق على قدر المشترك ونفعل القرارات المتتالية التى صدرت في هذا المجال، مثل مؤتمرات جدة والكويت وماليزيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن توحيد رؤية أهلة الشهور الهجرية على مستوى العالم الإسلامي، وأملنا أن يتم هذا التوحيد ليس في رؤية شهر رمضان والحج والأعياد فقط وإنما في كل الشهور الهجرية. فوضى الفتاوى • نرى أن البعض يفتي بدون علم، لماذا لا يتم إصدار تراخيص للمفتين حتى تكون هذه المسألة أكثر تنظيما؟ - مسألة الفتوى لا تحتاج الى رخصة فأساتذة الفقه والشريعة الإسلامية هم المشتغلون بهذه الصناعة وهذا العلم، لذلك فهم المتخصصون في إصدار الفتاوى، مثلهم مثل الأطباء، فمثلما لا يمارس الطب إلا الأطباء، يجب ألا يتصدر للفتوى غير المتخصصين والعلماء. • لكن، لماذا تلك الخلافات في إصدار الفتاوى بين المجامع الفقهية؟ - لو حدث خلاف في الفتوى بين المتخصصين فلا بأس به، كما أن الخلاف بين المجامع الفقهية محصور وقليل جدا، ولا أرى أي اختلاف كبير بينها، وأقول هذا بحكم أنني مشتغل بهذا الأمر وأتتبعه جيدا. الشباب والتدين • في نظركم، ما هي الطريقة في تربية الشباب على التدين الصحيح بعيدا عن التطرف والمغالاة؟ - لو تأملنا في شخص اتجه إلى الدين وبحثنا عما دفعه إلى ذلك، وجدنا أن ما دفعه هو الترغيب والترهيب، وهذه مسألة متصلة بالإيمان بيوم القيامة، وعندما يسمع الشاب ويقتنع ويعتقد أن هناك يوما آخر، وأن هناك حسابا في ذلك اليوم، وأن هذا الحساب يؤول إلى الجنة أو النار، يبدأ في قياس سلوكه على ما يسمعه ويقتنع به، لذلك كان يوم القيامة عقيدة مهمة للمسلمين من أجل السيطرة على سلوكياتهم في الإقدام أو الإحجام على فعل ما، فإذا أبديت هذه الحقائق بطريقة معينة شوهت وانحرف الشاب بتدينه وفهم دينه فهما خاطئا، ولو عرضت أيضا بطريقة معينة كان تدينه صحيحا، ونستطيع أن نستفيد من الأساليب الاجتماعية والإنسانية في إثراء وتطوير هذا التدين والحفاظ عليه من الانحراف. العلم والمعلومات • إذا كان كذلك، لماذا ينحرف الشاب ويترك التدين؟ - إذا بحثنا عن ذلك لوجدنا أن الشاب قد لا يجديه التأثر بالمؤثرات السابقة، فبعد أن حدثت له رغبة في الجنة ورهبة من النار قد لا يجد من يجعله يفهم أن الدين وعبادة الله سبحانه وتعالى ومقتضيات اللحاق بالغرب أكبر من ذلك، فيطول عليه الهم فيقسو قلبه كما قست قلوب أهل الكتاب من قبل، وقد يكون تركه للتدين ناتجا عن عدم صبر على الطاعة، أو يكون قد سمع خطابا أكثر عقلانية من الخطاب الذي سمعه وتأثر به، فيذهب إلى ما يمليه عليه عقله ويترك ما عليه من تدين، أو يحدث ذلك حينما يحاول أن يركب الشهوات ويترك التكليف، لأن التكليف فيه شيء من المشقة، وقد يستمر الشاب على تدينه ولكنه لا يصبح على الجادة والصواب، وهؤلاء الشباب في كثير من الأحيان لم يفرقوا بين العلم كنسق يشتمل على منهج وبين المعلومات، وهذا جعلهم يتجرؤون على الفتيا ويحتقرون العلماء. ولكي يخرج الشباب من هذه الأزمة لابد أن نجعلهم أكثر تدينا لأن فيه الخير كله، وأن نجعلهم يستمرون على هذا التدين ولا ينحرفون به، ويجب أن نبذل جهدا كبيرا في مجال التربية بأبعادها التعليمية والحضارية، وأن نوفر مصادر المعرفة والتدريب الذي يمكن الشباب من عمارة الدنيا والتعبد لله. • وكيف يفرق الشاب بين العلم والمعلومة؟ - الشاب هنا يقع في مشكلتين، الأولى: أنه ظن نفسه بعد تحصيله لمجموعة من المعلومات لا قيمة لها من العلماء، وأن العالم بفقده بعض المعلومات ليس من العلماء، وهذا يحدث أزمة وفجوة كبيرة بين الشباب وبين المربين، وبين الشباب وبين العلماء، وهذا في حد ذاته يؤدي إلى ضياع هؤلاء الشباب، حيث إنهم سينشرون دينا ليس هو دين الإسلام، وسينشرون معلومات يتلبس فيها الحق بالباطل، ويعتقدون أنه يمكن فهم النص بعيدا عن الواقع، رغم أن جهلنا بما حولنا يقربنا من طقوس الرهبنة، ويجعلنا نترك الحياة وننفصل عنها، وترك الواقع مرفوض في دين المسلمين لأن الإسلام دين لعمارة الحياة.