تستعيد الدراما العربية بعض وهجها القديم بفتح ملفات الجاسوسية بعد أن برعت فيه سابقا عبر مسلسل «رأفت الهجان». وتأتي هذه الاستعادة عبر مسلسل «حرب الجواسيس» وفق إنتاج أضخم وإخراج أوسع أفقا، مع الاستعانة بالنجم السوري باسم ياخور، إلا أن المسلسل وبعد عرض 15 حلقة منه يبدو مفعما بسطحية المعالجة وفقر التفاصيل. يروي المسلسل الرمضاني قصة العميلة المزدوجة سامية فهمي أحد إنجازات الاستخبارات المصرية خلال حرب الاستنزاف مع إسرائيل التي دارت لسنوات عدة، عقب نكسة يونيو (حزيران) عام 1967 إلى مشارف حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. عقم الكتابة قد تكون العودة إلى التاريخ هروبا من عقم الكتابة في الراهن أو العجز عن استيلاد قصص من الواقع المعاش أو التقصير في محاكاة قضايا العصر ومعالجتها دراميا، كما تفعل بعض المسلسلات السورية القليلة في هذا المجال، مثل مسلسل «زمن العار»، أو أن مسلسلات التجسس تحتمل من التشويق والإثارة إزاء الواقع السياسي المأزوم حاليا، بما يعنيه من إسقاطات تفيد الإنتاج وتساعد في التسويق. وقد تقارن هذه المسلسلات بموجة الدراما التاريخية التي أمعن فيها الفنانون السوريون في العقدين الأخيرين، وما زالوا ينزحون من بئرها العميق، وليس «باب الحارة» الواسع الشعبية، كذلك «الحصرم الشامي» و«بيت جدي» و«أهل الراية» وغيرها، سوى أمثلة على هذا الاتجاه الذاهب عميقا لاستدرار حكايات التاريخ برؤى معاصرة. فكلتاهما، مسلسلات التجسس المصرية وملاحم التاريخ البعيد والقريب المنتجة سوريا، تستدعيان الذاكرة، وتطلبان أخذ العبرة، ويثيران شعور الرضا بإنجازات الأسلاف مع عجز الأخلاف عن اجتراح المثيل أو المقارب، ولعل هذا هو سر الاحتفاء الشعبي ببطولات الماضي تعويضا من حالات الانكسار والإحباط واليأس عن مواجهة تحديات الحاضر التي تزداد صعوبة سنة بعد أخرى دون أفق أمل ولو كان بصيصا. مطاردات مملة البارز في «حرب الجواسيس»، الحبكة الدرامية التي تجذب المشاهد رغم أن الحلقات الخمس عشرة الأولى استهلكت في مطاردات مملة في الشوارع بين ألمانيا وإيطاليا بين عناصر الموساد ورجال الاستخبارات المصرية، فالموساد يجند شابا مصريا مهاجرا «نبيل» باعتبار الصلة التي تربطه مع الصحافية الناجحة سامية فهمي، في محاولة لاختراق الأوساط المصرية السياسية والإعلامية عن طريقها، فيما تحاول الاستخبارات المصرية إبطال هذه المحاولة في البداية لتنتهي بممارسة اللعبة المزدوجة مع الإسرائيليين أي بتجنيد سامية فهمي لاحقا لتكون مصدر المعلومات المضللة. وهنا على عكس المسلسلات السابقة لم تجر الأحداث حبيسة الجدران الأربعة، بل ثمة خروج إلى الأفق الأوسع في نقلة إخراجية وإنتاجية نوعية، لكن أدوار البطولة لم تتميز بأداء فني مواز رغم بعض الأسماء الكبيرة المشاركة، إذ أن الشخصيات نفسها حسب السيناريو ليست بهذا التعقيد، فيما احتاج المسلسل إلى 15 حلقة كاملة حتى يبدأ الخط الدرامي بالاستواء وفق المسار المرسوم مسبقا، ما يعني أن دور منة شلبي أو سامية فهمي ينطلق متأخرا، بما يشير إلى أن هذا المسلسل يحتمل بالضرورة أجزاء أخرى، فلن يصل إلى نهايته المفترضة في وقت قريب بعدما استغرق الاستهلال كل هذه الحلقات. كما أن «حرب الجواسيس» يستغرق في طابعه الأمني فلا تحتل العلاقات الاجتماعية سوى خطوطا خلفية أو مرافقة، وهذا مكان خلل أو ضعف، إن لم يستمر المسلسل في صعوده الدرامي بحيث يغطي كل الثغرات الظاهرة إن من حيث الأداء الفني للأبطال الذي هو غير مختلف أو مميز أو رسم المشهد العام التي تجري فيه الأحداث.