يكاد يتفق كثيرون على أن المتنبي من فحول الشعراء، حاز المجد الشعري في عصره، وأحكم قبضته عليه فبقي فكره خالدا في عالم الشعر إلى يومنا هذا ولعصور قادمة علمها عند الله. إلا أن المتنبي مثله مثل غيره من البشر، تفوقه الشعري لا يعني تفوقه في كل شيء، أو سلامته من العيوب والنقائص، ومن أشهر عيوبه غروره الجم وإعجابه المفرط بذاته، وبذاءه لسانه وسلاطته. لكن جمال شعره جعل الناس يتقبلون منه الغرور بصدر رحب، ويتغنون بشتائمه البذيئة التي يصوغها لهم في لفظ موسيقي عذب، فتلتبس في أذهانهم بالحكم والقول الحق كقوله الشهير في هجاء كافور: (لا تشتر العبد إلا والعصا معه،، إن العبيد لأنجاس مناكيد)، فقد ظل يدور على ألسنة الناس لعصور طويلة، لا يرون فيه سوى الحكمة والرأي السديد. ولأن المتنبي مغرور يتعالى على الناس ويضع نفسه فوقهم، فإنه يتعالى أيضا على ما تلوكه ألسنتهم عن شعره، وما يقعون فيه من أخذ ورد حوله، فهو يملك من الاعتزاز بالذات والاطمئنان إلى متانة مكانتها وعلو شأنها، ما يجعله يصم أذنيه عن غوغائهم حين يخوضون في الجدل حول شعره، ولا أظن أحدا يجهل بيت المتنبي المشهور المعبر بوضوح عن ذلك الموقف: (أنام ملء جفوني عن شواردها،، ويسهر الخلق جراها ويختصم). فالمتنبي بلغ من قوة النفس مبلغا يجعله لا يأبه لما يوجه إلى شعره من نقد وإعابة، فهو في أعماق ذاته مؤمن بحسن ما يقول فلم يشغل نفسه بمتابعة ما يقوله الآخرون عنه. وفي ظني أن قوة نفس المتنبي ومبلغ ثقته في ذاته، يفوق قدرته الشعرية، بدليل أن تفوقه الشعري وجد من يدعي منافسته فيه، ومن يزعم أنه خليفة له، ولكن في قوة نفسه وتعاليه عن مقارعة من يذكر شعره بسوء، لا يجرؤ أحد على ادعاء ذلك. وفي تقديري أن بعض الشعراء يسهل عليهم أن يدعوا خلافة المتنبي في فحولته الشعرية، لكنهم لا يملكون ادعاء خلافته في قوته النفسية تلك، فليس سهلا على الشاعر أن ينام هانئا بينما النقاد يمزقون بأنيابهم الشرسة جلد شعره، فذلك له ألم لا يطاق، ولا يقدر على كتم الصراخ والنواح بسببه، سوى من كان عظيما حقا كالمتنبي.. كم هم الشعراء الذين يدعون خلافتهم للمتنبي؟ وكم هم الصادقون في ادعائهم؟. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة