لست من مشاهدي مسلسل باب الحارة، لقد انتهت علاقتي بهذا العمل الجماهيري في الربع الأخير من الجزء الأول وبالتحديد حين مات (الأحدعشري) وهي الشخصية التي جسدها بإتقان الفنان بسام كوسا، كنت حينها مأخوذا بالسيناريو الساحر الذي أجبرني على التعاطف مع لص وقاتل تمنيت عدم اكتشاف أمره حتى اللحظة الأخيرة، بعد وفاة الأحدعشري شعرت بأن المسلسل انتهى بالنسبة لي على الأقل وأن كل هؤلاء القبضايات بشنباتهم المفتولة والعساكر (الفرنساوية) و (حكي النسوان) الذي لا ينتهي ماهي إلا محاولات ذكية للحفاظ على شعبية المسلسل.. وقد نجحت هذه المحاولات في تحقيق الاكتساح الجماهيري المنشود ولكنني واصلت مقاطعة المسلسل تضامنا مع (الأحدعشري)!. في التلفزيون غالبا ما تظهر الحارة الشامية ثائرة على المستعمر مليئة بالرجال ذوي الشوارب المفتولة الذين يقطرون نبلا وشهامة ورجولة ويعملون في تجارة الأقمشة ويعودون إلى البيت لتستقبلهم نساء جميلات مطيعات.. وهي حارة بلا أطفال!، تحاول الحارة الشامية (التلفزيونية) إشباع الحاجة إلى قيم البطولة والعودة إلى أزمنة مثالية تنتصر فيها المبادئ النبيلة على أية قوة في العالم، إنها حارة غارقة في الشعارات التي ينعكس بريقها على خناجر (القبضايات) النبلاء الخارجين على القانون!. فيما مضى لم تكن الحارة الشامية (التلفزيونية) هكذا، لقد عرفنا في سنوات الطفولة (حارة كل من إيدو إلو) بأبطالها الساخرين: غوار الطوشة، أبو عنتر، حسني البرزان، فطوم حيص بيص، أبو صياح، بدري بيك ( أبو كلبشة)، وقد كانت تلك الحارة العجيبة مليئة بالحياة والغناء والضحك، ولا تخلو من الفرجة التي تصنعها الملابس التقليدية والبيوت الشامية العتيقة، كانت تلك الحارة التلفزيونية تلبي تطلعات الناس في ذلك الزمان حيث حب الحياة يملأ القلوب البيضاء المكسوة بالياسمين. والحارة التلفزيونية الشامية تختلف في كثير من تفاصيلها عن الحارة التلفزيونية المصرية (الحتة) التي نقلتها أعمال نجيب محفوظ الروائية والسينمائية إلى فضاء مختلف تماما حتى أصبحت حارة مرنة قادرة على تحقيق حضورها القوي في كل الأزمنة التاريخية بما في ذلك الحاضر وتلبية تطلعات المشاهدين المتناقضة، الحارة المصرية التلفزيونية باختصار أكثر خبرة وقادرة دائما على ضبط المعادلة بين بحث المشاهد عن القيم الأصيلة التي يفتقدها وبين بحثه عن صور الحياة الجميلة والضاحكة، ولكنها حارة تلفزيونية تكررت مئات المرات حتى مل المشاهدون منها فاتجهوا إلى الحارة السورية التي تعيش اليوم أقصى حالات التكرار. الحارة الخليجية حضرت تلفزيونيا في البداية من خلال (الفريج) الكويتي حيث نجحت أعمال تلفزيونية رائعة مثل (درب الزلق) و (الأقدار) في رصد التحولات الهائلة التي عاشتها المجتمعات الخليجية بعد اكتشاف البترول.. ولا زالت الحارة التلفزيونية الخليجية في أغلب الأعمال السعودية والكويتية والإماراتية تركز على قراءة المسافة الهائلة التي أحدثها النفط.. أما الحارة التلفزيونية البحرينية فهي غالبا ما تغازل القوة الكامنة في ذوات الفقراء والمهمشين!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة