تتسم المجتمعات البشرية المختلفة، باستخدام مفردات لغوية ومصطلحات اجتماعية تدل على معان يفهمها أهل تلك المجتمعات، ويتفقون معها على الإشارة المختصرة إلى مغزى حديثهم. ومع مرور الوقت، قد تأخذ تلك المصطلحات، معان أضيق، وتحصر فيما تعارف عليه الناس، وتخرج في بعض الأحيان عن معناها اللغوي الحقيقي أو الاصطلاحي الأشمل. وقد نالت كلمة «الالتزام» في بعض المجتمعات الإسلامية، نصيبها من الحصر والتضييق، وأضحت دلالة على الالتزام الديني، وانحصرت في معنى المحافظة على مظاهر الدين وعباداته. وقد تحجر بعض الناس ما هو واسع، باستخدامهم الضيق لهذه الكلمة، فأول ما يتبادر إلى ذهن أحدهم لدى سماعه كلمة «ملتزم»، صورة شخص متدين بمظهره التقليدي المعروف، حريص على أداء فرائض الدين من العبادات. ولاشك أن هذه الصورة، هي إحدى صور الالتزام الجميلة التي تشير إليها الكلمة ومعنى من معانيها السامية. لكن كلمة الالتزام كما ينبغي أن تفهم تدل على مقاصد أكبر وأشمل، ومعان أكثر انتشارا، يندرج تحتها الالتزام الأخلاقي والسلوكي بجميع صوره. فالموظف المنضبط في عمله هو شخص ملتزم، وقائد السيارة المتبع لتعاليم المرور والسلامة هو سائق ملتزم، والمرأة المهتمة بشؤون أطفالها وزوجها وبيتها هي زوجة ملتزمة. وإلا فما معنى الالتزام الديني وانضباط الإنسان في علاقته بربه، إن لم يؤد إلى التزامه تجاه بيته وعمله ومدرسته ومصنعه، ولم يرافقه انضباط أخلاقي يضمن سلامة السلوك، وحسن التأدب، وجمال العشرة ؟ وما مدى تحقيق الالتزام الديني لمعناه الأسمى، إن لم يكن في معيته انضباط في المواعيد، وذوق في المعاملة، واحترام للأنظمة، واهتمام بالمظهر، ومبادرة بالمعروف، وتجنب لظلم الناس أو إهدار حقوقهم ؟ ولماذا يحاول بعضهم اختزال هذه الكلمة الجميلة وحصر معناها الواسع على مظهر معين، وصورة محددة ؟ وكيف يمكن تفسير التناقض بين الشكل والأداء الذي ينتهجه بعض الأفراد «الملتزمين» ؟ وما هو الأسلوب التربوي الذي يضمن توافق المظهر الديني مع السلوك الاجتماعي؟ وهل يخرج أحدهم من دائرة الالتزام بمجرد عدم تقيده بالمظهر الديني في عرف المجتمع ؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات صريحة وتوجيهات تربوية من: العلماء الشرعيين، وعلماء الاجتماع، والنفس، والتربية، والتعليم. * استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم مدينة الملك عبد العزيز الطبية في جدة [email protected]