توقفت طويلا عند رسالة منشورة في إحدى الصحف المحلية لشابة في الخامسة والعشرين من عمرها تشتكي خوفها الغريب من التقدم في السن، فهي كما تقول تكره الإفصاح عن سنها، ولا تحب أن يذكرها به أحد، وتلوح لها الثلاثون شبحا مرعبا، وهي تتساءل إن كان ما تشعر به طبيعيا أم أنها مريضة نفسيا. هذه الفتاة تشك في أنها شاذة أو مريضة نفسيا لكونها وجدت نفسها ترتعب من اقتراب الثلاثين، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، هي في المشاعر ليست شاذة ولا مريضة، وإنما هي تعكس ما تراه في ثقافة المجتمع من تمييز ضد المتقدمين في السن، فأين ما التفتت وجدت الأفضلية للصغار، بدءا من الأغاني التي تبرر استحقاق الحبيب للحب بصغر سنه، ومرورا بطلبات الزواج التي تضع صغر السن شرطا جوهريا، وانتهاء بفرص الدراسة والعمل، التي تضع حدا أعلى للسن التي تصلح للعمل، أو الابتعاث للدراسة أو القبول في الجامعات، فبدا للناس التقدم في السن قرين الحرمان من فرص متاحة، وسببا في فقد مزايا مختلفة. هاجس الخوف من التقدم في السن يكاد يكون عاملا مشتركا بين جميع الناس، فأغلبية الناس يكرهون ذكر سنهم ويتحاشون التحدث عنها، وربما خاضوا معارك ساخنة مع بعضهم من أجل إثبات أنهم أصغر قليلا، مما قيل، وهم في ذلك يستجيبون لما تسوقهم إليه ثقافة مجتمعهم. فالثقافة العربية على الرغم من كونها تتضمن الاحترام والتقدير للمسنين، إلا أنها من جانب آخر تنكر عليهم الاستمتاع بما في الحياة من مباهج، فتدفع الناس بذلك دفعا إلى النفور من التقدم في السن. الثقافة العربية تنكر على الكبير الحق في الاستمتاع بمباهج الحياة، مثل التزين واللهو والوقوع في الحب أو الزواج، فهذه المباهج في عرف تلك الثقافة مقصورة على سن الشباب، أما بعده فلا مكان لها في حياة الناس. ومن الشائع في الثقافة العربية السخرية والتندر على (الشايب أو العجوز) الذي يبدي اهتماما بزينته، أو يميل رأسه طربا مع نغم، أو يعلن عن رغبته في الزواج إن كان أيما، فهذه في عرف الثقافة السائدة من خصائص سن الشباب، ومن المنكر على من تجاوزها تناول شيء منها. ليس هذا فحسب، وإنما هناك أيضا أمر آخر يبرر الخوف من تقدم السن، وهو أن الثقافة العربية تنكر على الكبار الوقوع في الخطأ، فالكبير أكثر رزانة وأكثر حكمة وأبعد عن الطيش ومن ثم يجب أن يكون أبعد عن الزلل، ومتى وقع الكبير في الخطأ فإن خطأه لا تسامح معه ولا تهاون فيه. ويتضح ذلك بجلاء في عبارات التقريع التي توجه للكبار، حيث تحتوي غالبا على ألفاظ تتضمن التذكير بالسن وهي تقال حتى (للأطفال الكبار) مثل: (ما تستحي على وجهك هذا كبرك وتسوي كذا) (أنت أكبر، مفروض أنك ما تتصرف مثله) (قاربت (..) وما زلت تتصرف مثل الصغار؟) أو غيرها من العبارات التي تنكر على الكبير الوقوع في الخطأ، وتتوقع منه أن يتجرد من طبيعته البشرية ليصير عقلا مجردا يتحرك على الأرض. بعد هذا هل تلام تلك الفتاة إن هي ارتعبت من اقتراب الثلاثين!. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة