أكره أمي فعلا، ولا أشعر تجاهها بأية مشاعر حب، فأنا فتاة أبلغ من العمر 17 عاما، وأنا البنت الوحيدة، كل ما أحتاجه فقط أن تفهمني أمي، وأن تشعرني أني كبرت، وأن تجعل لي عند إخوتي الاحترام باعتباري الأخت الكبرى، فأنا حقا لا أفهمها، وهي تعتبر نفسها دائما على صواب وأنا على خطأ، وهي تتهمني بأني لا أتكلم معها والسبب أن كل حديث معها ينتهي بمشكلة وسوء فهم وغضب مني، وهي دائما تذكر عيوبي وأخطائي ولا تريد مناقشتي بذلك، ودائمة الدعاء علي بالموت، ولذلك أتجنب الحديث معها وأجلس لوحدي، وصرت أخاف من الوحدة، وما دفعني للكتابة إليك أنني حين استلمت الشهادة وذهبت لها وأنا في قمة الفرحة وقلت لها بما أني نجحت أريد البشارة فردت علي بجواب حطم آمالي التي كنت أرسمها وأنا أنتظر الشهادة، وقالت: كأنك تستحقين ذلك؟ ق.ت نحن لا نختار آباءنا ولا أمهاتنا، وبالتالي فعلينا أن نقبل بهم مهما كان سلوكهم نحونا، ولو أنك توقفت عند حدود دورك في هذه الحياة لأدركت أن لكل منا دائرة للاختبار والابتلاء في هذه الدنيا باعتبارها أساسا المكان الذي نستعد فيه بالجهد ومن ثم نؤدي اختبار ما قبل المحاسبة ومن ثم الخلود بين جنة أو نار، وعليك أن تدركي أن آباءنا وأمهاتنا بدورهم حريصون على سعادتنا ويبذلون الجهد في سبيل ذلك ولكن مشكلة البعض منهم أنهم يجهلون الطريق الصحيح لمساعدتنا على بلوغ هذه السعادة، هم لديهم قدر من الخبرة تعلموها ممن رباهم، وبعضهم طور هذه الخبرة بالقراءة أو بالسؤال، كما فعلت أنت حين أرسلت هذه الرسالة تسألين عن كيفية التعامل مع أمك، وإن كنت في الوقت نفسه ترغبين في مشاركتي في همك، وربما خففت عنك هذه المشاركة بعضا من الهم. آباؤنا وأمهاتنا يا ابنتي ليسوا سيئين، وعليك أن تميزي بين أمرين لدى كل الجميع أنت وأنا وأمك وكل الناس، الأمر الأول يتعلق بالنية والثاني بجودة العمل، ولو تذكرت معي عقوبة القتل العمد لعرفت أنها القصاص، في حين أن القتل الخطأ يكفي فيه دفع الدية وإعتاق رقبة وصيام شهرين متتابعين، ولا فرق بين القتل العمد والقتل الخطأ من حيث النتيجة، ففي كلتا الحالتين روح تموت، ولكن الفرق الحقيقي بينهما في نية مرتكب القتل، ففي القتل العمد هناك نية مبيتة من قبل القاتل للقتل. لذا وجدنا جزاءه القصاص وقطع العنق، في حين أن القاتل الخطأ لم يكن بنيته القتل لذا عليه أن يقدم الدية لأهل القتيل ويعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين. عليك يا ابنتي أن تتأكدي أن أمك لا تقصد إهانتك أو الإساءة إليك ولكن هذا مبلغها من العلم في التعامل معك، ويبقى أمر مهم جدا يتعلق بك، راجعي نفسك واعتبري تحسين العلاقة معها تحديا حقيقيا لك، وابحثي عن سبب غضبها منك واحرصي على الإحسان إليها بدل أن تشحني نفسك بالكراهية نحوها، وتذكري ألا يشفع لها أنها كانت السبب الشرعي لوجودك في هذه الدنيا؟ ألا يشفع لها أنها حملتك تسعة أشهر كان كل يوم منها يزيد الثقل والألم والتعب عليها؟ ألا يشفع لها أنها أرضعتك وسهرت من أجلك وحرمت نفسها من الراحة كي تنامي وترتاحي؟ ألا يشفع لها كل ما فعلته من أجلك في هذه الحياة، كلمة أخيرة انتبهي لها جيدا، فالقانون الرباني في هذا الصدد أن الجزاء من جنس العمل، عليك أن لا تزيدي من كراهيتك لها، فأنا أخشى أن ترزقي بأولاد تمتلئ نفوسهم بكراهية نحوك، راجعي نفسك ومواقفك من أمك وتذكري أن الدنيا لا تغني عن الآخرة وأننا مهما عشنا فنحن ملاقو ربنا وسيحاسبنا عما فعلنا، وتذكري أيضا أن دخول الجنة يمر عبر بوابة أمك، في حين أن دخولها هي للجنة لا يمر عبر بوابتك أنت.