صديقي .. هل جربت مرة أن تقف أمام إشارة المرور، فتتجلى لك فلسفة فساد الإنسان، أو متى يفسد الإنسان؟ لست أدري ما هي ردة فعلك أمام كلمة «فلسفة» ، لأني ما زلت أذكر ذاك الشخص الذي سألته ما هي فلسفتك في الحياة ؟ فقال لي: «اتق الله .. الفلسفة حرام»، لا أعرف كيف يمكن لي أن أوصل لهذا الشخص أن كلمته «اتق الله» تعني فلسفته في هذه الحياة، أي هو ينطلق في هذه الحياة من «تقوى الله»، أليس هذا أمرا محبطا أن ترفض فلسفة الحياة، في نفس الوقت تفلسفها دون أن تعلم أنك فعلت هذا؟ أعود لفلسفة الفساد التي تجلت أمامي وأنا أقف أمام إشارة المرور، كنت في ذاك الوقت أقف في المسار الوسط، على يمين سيارتي سيارة وعلى شمالها أخرى. علي أن أنبه لأمر مهم، وهو أن وقوفي في المسار الوسط، ليس محاولة لسرقة وسطية الدكتور العواجي، بقدر ما هو بحث عن أمان أكثر، حتى لا يتم دفعي عنوة للرصيف أو لخرسانات الأسمنت. كانت على يسار سيارتي سيارة فارهة جدا، فتخيلت أنها لي، شعرت بمتعة وأنا أقودها في خيالي: كان رجل المرور ينظر لي باحترام، فيما البعض يغبطني، وقلة أو هم ليسوا كذلك بحسد. ما إن انتهيت من خيالاتي، حتى التفت جهة اليمين، رأيت سيارة حقيرة في داخلها رجل يملك ابتسامة ملائكية، أظنه كان أيضا يتخيل أنه يقود سيارتي التي ليست حقيرة ولا فارهة لأنه ولا مرة نظر لي رجل المرور باحترام، فهو كان يتجاهلني أو هو لا يشعر بوجود سيارتي العادية جدا. عدت من جديد لصاحب السيارة الفارهة الذي كان ينظر لطائرة في السماء ويبتسم، أظنه كان يحلم أنها له، ضحكت لأنني أظن أن الأحلام لا حدود لها، فصاحب الابتسامة الملائكية والسيارة الحقيرة لو انتقل لسيارتي، سيحلم بالفارهة ولو وصل لها سيحلم بطائرة، وهكذا إلى ما لا نهاية. يخيل لي أنك تتساءل: أليس إطلاق العنان للأحلام سيفسدنا، لأن غريزة الطمع ستتخفى خلف أحلامنا، وأن علينا قمع أحلامنا التي هي طمعنا المتنكر، وربما ستقول لي كما لقنت : «اقبل بالرزق الذي كتبه لك الله»، حتى لا تفسد؟ يا صديقي، الإنسان لا تفسده الأحلام ولا الطموح، تفسده التراتبية بين الأحلام والضمير، أعني حين تصبح أحلامك فوق ضميرك، هنا ستطأ عليه غريزة الطمع، وبالتأكيد ستكمل باقي الغرائز الدهس على هذا الضمير. لهذا يا صديقي دعنا نحلم ونطمح، ولكن علينا دائما أن نتأكد قبل خروجنا من البيت أن ضميرنا فوق أحلامنا، علينا أيضا ألا نسكت حين يقول لنا شخص ما : «اقبل بالرزق الذي كتبه لك الله»، ليمنعنا من الحلم والطموح والدفاع عن حقوقنا، علينا أن نقول له بصوت جهوري وبلا خوف: من قال لك إن هذا رزقي؟ هل قلت لك: إن الإنسان يفسد أيضا إن لم يدافع عن حقوقه أو لم يكن لديه حلم أو طموح، وسيصبح كائنا هامشيا لا أحد يشعر بوجوده، وبلا قيمة؟ التوقيع: صديقك S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة