مأساة أن يتم كل هذا التهويد النكد، في عام اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، حيث يبدو الأمر تحويل خيام الفرح لسرادقات عزاء. ومأساة أن يحل شهر رمضان المبارك، بينما منائر القدس لا تجد سوى الدموع، بلا للعروق وإذهابا للظمأ. وبعيدا عن استعطاف مارسه الكل مع الكل، ماذا قدمنا نحن، كمسلمين أولا، وكعرب ثانيا، وكدعاة مبادئ وقيم ثالثا، من فعاليات على مستوانا العام والخاص، لهذه المدينة / التاريخ. كم مرة منحنا ذوينا وأطفالنا وطلابنا، شروحا وتفاصيل وتواريخ عن هذا الكيان المعتق بالبهاء. هل تظل كل مقدرات شيوخنا وخطبائنا، أن يتذكروا القدس في أواخر خطبهم، وفي أواخر القنوت من كل صلاة، مع الدعاء لله بإنزال المطر و«تحرير» الأقصى، لينتهي الأمر، وتذهب مأساة الأقصى للنسيان مع نزول الخطيب أو الواعظ من على منبره. ماذا كان حظ القدس، من كل مهرجانات الصيف في بلداننا، ماذا كان حظ القدس من جلجلة منابر الوعظ في مساجدنا، ماذا كان حظ القدس في نشراتنا، وحفلاتنا، وبيوتنا وملتقياتنا. إننا ودون أن نشعر، نسلمهم جزءا من ذاكرتنا، ليكون محتلا هو الآخر. إن الاحتلال يعتبر منقوصا، حين يكون للمكان فحسب، لكنه يصبح احتلالا فاجرا كاملا، حين يحتل الذاكرة أيضا. وهذا عين ما يحدث اليوم في مدينة القدس. وللواهمين، ليست إسرائيل بأكثر أموالا ولا أولادا منا تجاه قضيتها لتهويد هذه المدينة، لكنها أكثر عقائدية، وأكثر إخلاصا، وأكثر التزاما بمشاريعها، التي تجوسها بثقة وتصميم على أن تصل أو لا تكون. إنه العمل العقائدي المنظم، والاعتماد على فرق عمل تعمل جميعا في اتجاه واحد، ولا أسماء ولا لافتات ولا نبرات دعاية، بل لقضية واحدة يقومون جميعا بخدمتها. فالقضية أكبر من تبرع خيري، لكنها ليست أصغر من كارثة قيمية، أن يصحو الطفل العربي على بعد عشرين عاما، ليقول لأبيه الذي كان يباهي بأعماله الخيريّة: أين هي القدس؟!.