أتاني صديق يجر الخطى، مثقلا بالهموم عيناه مرآة لحزن دفين. فقلت له: ما الخبر؟ أبدى التشاؤم في رده قائلا: لم تعد الصداقة صادقة، لم يعد الوفاء له بقاء. الكل في بحر الحياة غارقون. عرى التواصل قطعت.. الحب مات. لم يبق لي إلا الحنين... إلى الذكرى... إلى الماضي البعيد. قل لي بربك: هل للسعادة في الحياة من بقاء؟ أم فارقت هذا الوجود، وخلفت ذاك السراب؟. قلت له: يا صاحبي، إن السعادة لم تمت، وإنني أهديك مفتاحا لها: عش بقلب طفل مفعم بالحب لكل الكائنات، لا يعرف البغض. كلا، ولا فيه مكان للخديعة. لا يحمل الهم لأمر لم يقع، والحزن على ما قد مضى لا يؤلمه. قلب مصفى من الحسد، بل من كل أدران الحياة. *** يا صاحبي: أما ترى كل البشر تهفو نفوسهم لأيام الطفولة... ما سر ذاك؟. لأنها كانت مراتع فرحة، لا يعرفون سوى المحبة، والتسامح، والوئام. كانت طيور الروض صادحة بألحان عذاب، أما الروابي فخضرة من فوقها يحنو الضباب. وديان... كم سال النمير بها! وكم غنى على شواطئها الصحاب! كانت علاقة بينهم أنقى من الماء الزلال. كانت قلوب الصحب ريا بالمودة والإخاء، لا تعرف الدنيا لها غير الصفاء. *** يا صاحبي: لا تبتئس مما أقول: العيب فيك، أنت أنت، ومن يسير على خطاك. ما زال للبلبل صوت يطرب. مازال في المزن بكاء الثاكلات. ما زال للأنهار صوت مؤنس. *** يا صاحبي: إن شئت أن تحيا كأيام الطفولة الماضيات، فابدأ بقلبك واقتلع أشواكه، واجعله للحب مكانا أرحب. إني أرى الأطفال قد فهموا الحياة فهما صحيحا ليتنا نتعلم. ملئت قلوبهم بأنوار الصفاء، لا يعرفون تجهما. *** يا صاحبي: أطفئ إساءتهم بعفو صادق، وعش بقلب الطفل تصف لك الحياة.