تعد بلادنا التي حباها الله بالعديد من الثروات الطبيعية وعلى رأسها البترول إحدى الدول الغنية، بل إن موقعها الاقتصادي ذو بعد استراتيجي دولي حيث ارتباط حركة وتطور الاقتصادات العالمية بشكل أساسي بالسلعة الاستراتيجية الدولية التي هي النفط، كل ذلك جعل من بلادنا إحدى دول العشرين التي شكلت إثر الأزمة المالية والاقتصادية الدولية التي ما زال العالم يعاني آثارها السلبية وهي بالتأكيد تستحق ذلك الموقع. إلا أنه في المقابل وفي هذه البلاد الغنية بثرواتها، توجد بوضوح ظاهرة الفقر، والحديث هنا ليس عن الفقر العلمي أو المعرفي أو الفقر الفني أو الأدبي أو الإبداعي، بل عن الفقر المادي والمعيشي لشريحة واسعة من السكان، ويكفي هنا الاطلاع على أعداد من يعتمدون على الضمان الاجتماعي في معيشتهم والتي نشرت في العديد من الصحف والمقالات والذين ينالون مبالغ بالكاد تكفي أن يواصلوا حياتهم. عند الحديث عن الفقر فالمسألة متعلقة بالحاجات الضرورية للحياة والمتمثلة في المأكل والمشرب والمسكن والصحة والتي بدونها لا يمكن الانطلاق إلى آفاق الحياة الأخرى، فلا يمكن الحديث عن الإبداع والتقنية وتوطينها ولا عن البحوث العلمية المتعددة ولا الإبداعات الأدبية والفنية ولا عن تطور فكري أو فلسفي ولا أصالة ومعاصرة ولا حداثة أو تحديث ولا عن أي من الإبداعات الإنسانية في ظل تواجد الفقر. ظاهرة الفقر إذاً هي المعيق الأساسي للتنمية في كل المجالات بل يمكن القول إن الفقر ليس فقط في بلادنا بل في كل عالم الجنوب، هو السبب الرئيسي والأساسي لكافة المشكلات التي تجعل من شعوبه تلهث وراء لقمة العيش الأساسية مع ما يرافق ذلك من أمراض اجتماعية أخرى بالعطالة والرشوة والفساد وهضم حقوق المرأة والطفل وتدني مستوى التعليم وغياب الفكر السياسي والنظرة إلى المستقبل والاعتداء على البيئة وغيرها الكثير. الفقر إذاً مرتبط كل الارتباط بكافة جوانب الحياة الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية، والعلاقة هنا علاقة طردية حيث لا مكان ولا مجال للتطور الاقتصادي في ظل وجود الفقر، ذلك أن تراكم الثروة يستدعي بالضرورة إمكانية استثمارها، وذالك بالطبع يحتاج إلى علم ومعرفة ويحتاج إلى أيد عاملة منتجة ويحتاج إلى قدرات إدارية وفنية قادرة على الاستثمار الأمثل والتنافس مع الغير في الداخل والخارج وهنا نجد أن هناك سلسلة من الآثار تبدأ من تراكم ووجود الثروة ولكن حينما يصرف 60 في المائة من الشعب السعودي 40 في المائة من دخله فقط لاستئجار المسكن الذي هو أحد الضرورات الأساسية للعيش، ويصرف الباقي على الغذاء والدواء هذا إذا لم يستدن في نهاية كل شهر فهل يمكن الحديث عن تراكم للثروة؟ وفي الجانب الاجتماعي يصبح الحديث عن التعليم ومواصلة الدراسة أمرا مشكوكا فيه في ظل الفقر، حيث يضطر الكثير من الأبناء إلى ترك مقاعد الدراسة في سن مبكر من أجل إعالة عوائلهم أو تقديم المساعدة لآبائهم، كما لا يمكن الحديث عن صحة جيدة في ظل أوضاع الفقر فالصحة تحتاج إلى مسكن نظيف وكذلك الملبس والمأكل ودون توفر هذه العوامل يصبح الحديث عن الصحة عبثا لا طائل منه، وذاك ينطبق أيضا على أوضاع المرأة والطفل كما ينطبق على الوعي العام بالحياة ومتطلباتها والتخطيط للمستقبل العائلي الذي هو الآخر بحاجة إلى الوعي والإدراك والوقت والإمكانات المادية. دون شك أن هناك ارتباطا كبيرا من الفقر والعوز والبطالة الظاهرة التي نوقشت كثيرا، لكن الفقر ظاهرة أكثر شمولا، ذلك أن الكثير ممن يعملون برواتب زهيدة ومنهم مئات الآلاف إن لم يكن الملايين في بلدانهم فقراء أيضا والكثير جدا هم تحت خط الفقر. لقد تنبه خادم الحرمين الشريفين منذ وقت مبكر لهذه الظاهرة ورصد مبالغ طائلة من أجل محاربتها، لكن كما يبدو أن حل هذه المشكلة مازال يقتصر على تقديم المساعدات والهبات والضمان الاجتماعي والصدقات والتبرعات وعمل الجمعيات الخيرية، ومع الأهمية القصوى لمثل هذه الأعمال الخيرية، إلا أنها لا تقدم حلولا استراتيجية بعيدة المدى من أجل إزالة الفقر نهائيا والتصدي له بشكل فعال، يقول المثل الصيني: بدل أن تطعم الفقير سمكة علمه كيف يصطادها. وهنا مرة أخرى يأتي دور التعليم والتدريب والتأهيل الذي يجب أن يطوله تغيير جذري مدعوما بإرادة سياسية عازمة على التغيير وبمشاركة كل قطاعات الإنتاج، القطاع العام (الدولة) والخاص (الشركات الخاصة) ودراسة الاحتياجات الحقيقية الآن وللمستقبل لاقتصادنا وتطوره وتقييم المشاريع على أساس أن العمالة وطنية وليست أجنبية ورصد كافة المتطلبات من أجل رفع المستوى المعيشي للناس خصوصا أن لدينا الملايين من العمالة الأجنبية في هذا البلد تصدر ملايين الدولارات سنويا لبلدانها وفقدانها خسارة للوطن واقتصاده وشعبه فليس من الصواب أبدا أن تكون بلادنا غنية نحسد بالانتماء لها في الوقت الذي تعيش فيه ظاهرة الفقر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة