يحتاج التحول النوعي ضمن سياق السياسات المتبصرة لأي جهد يفضي إلى السلام، إلى توسيع المدرك والنظرة للتناول مع الكيان الإسرائيلي على أنه ينبني على قيمية الحق، وضرورة الانخراط في جديته من ناحية تحديد كيفية حسمه. مثل هذا التعامل يقتضي إعادة النظر في أساليب إدارة المأزق السياسي الذي يتصدى لمفهوم الاحتلال، وهو أمر مازال حتى اللحظة، خارج سياق النظرة الخاصة بالنظام الإسرائيلي على الأقل. وحين يردد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، في أكثر من منبر، أن المقاربات المتدرجة لعملية السلام لن تسير، وأن المنطقة تحتاج إلى مقاربة شاملة تحدد الهدف النهائي، لم يجانبه الصواب، فالأمر يتجاوز إرسال الإشارات، إلى التصدي للمشاكل الحقيقية، لاسيما إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنشاء دولة فلسطين. إن الحديث يحمل مقياسا عاما تدخل فيه الدولة العبرية بوصفها من يحاول أن يصرف الانتباه عن لب المشكلة إلى مسائل ثانوية بطريقة إرسال الإشارات، وهو ما يتنافى ومغزى الرغبة الأكيدة في وضع حد للنزاع. اعتمد وزير الخارجية مبدأ الحديث بفاعلية وشفافية تلامس المسعى الأمريكي الذي وضع ملف الاستيطان أمام تل أبيب، ووصفه باللاشرعي، فتجاهلته حتى التاريخ. فحري بمن يريد أن يعمل صادقا للتوصل لمفاتيح الحلول، أن يستجيب لمنطق العقل ومعايير الحق، فالدعوة للتطبيع ومقاربة الخطوة خطوة، والأمن المؤقت وإجراءات بناء الثقة، لن تجلب السلام، وأن المطلوب توخ شامل يحدد النتيجة النهائية منذ البداية، وتطلق مفاوضات السلام حول قضايا الوضع النهائي والحدود والقدس واللاجئين والمياه والأرض، وهذا هو المبتغى الجاد. في وضوح، ذكر الأمير سعود الفيصل أن على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت تريد سلاماً حقيقياً، أو تريد أن تستمر في التشويش وتقود المنطقة بالنتيجة إلى عدم الاستقرار والعنف. والسؤال ليس ما سيقدمه العالم العربي بل إنهاء النزاع، وما الذي ستعطيه تل أبيب مقابل مبادرة السلام العربية الشاملة. فما يقود إلى طريق السلام في الشرق الأوسط ليس الإعلان عن مبادرات، بل معالجة القضايا الحقيقية.