يشترون مختلف البضائع، ثم يضعونها في شاحنات، وينطلقون بها إلى أماكن تجمع الناس، حيث يعرضونها قطعة قطعة في المزاد العام. هؤلاء منهم مثقفون يستخدمون مهاراتهم المعرفية مثلما يستخدمون مهاراتهم التجارية. يقولون: يهمنا الربح لكن الربح في حساباتنا عرضا. نخسر قيمة سلعة ما لكننا نثق بتعويض تلك الخسارة من قيمة سلعة أخرى. عملنا صادق مائة في المائة، ربما بعنا قطعة تكلف مائة ريال بريال واحد لا يهمنا، فباقي القيمة سيأتي من قطعة أخرى من خلال المزاد. نتعمد وضع بعض الأجهزة والقطع الإلكترونية كهدية لمن يجيب عن سؤال أو لغز له هدف نطرحه على الناس ولهذا لابد أن نحضر كل تلك المعلومات مقدما، ولا يمكن أن نبدأ مزادا ما لم يكن في جعبتنا الكثير من تلك المعلومات والمعارف التي نبحث عن إجابتها لدى من يأتي إلينا. في المزاد الكل رابح محمد علي الهزازي (51 عاما)، أو «أبو علي» كما يحلو أن ينادى عليه قال: هنا الكل رابح، فأنا وقبل أن أقف سيارتي في أي مكان، لا بد وأن أرجع للعديد من المراجع أو أمهات الكتب، أتصفحها جيدا للبحث عن معلومة دينية أو ثقافية أجدها تفيد الناس، معلومة فيها فقه في الدين أو فيها حكمة أو ثقافة عامة، ومع ذلك لا تستغرب إن سمعتني أطرح معلومة فيها تنشيط لذاكرة الناس أيضا هذه مهمة، والناس عموما تتعطش لمثل هذا الموقف فالشخص إضافة إلى أنه يستفيد من حصوله على الجهاز أو القطعة التي نضعها له كهدية أو جائزة، فهو أيضا يستفيد من تلك المعلومة أيا كانت وكذلك الحضور، فهناك أناس لا تشتري ولا حتى بقرش واحد، تحضر دائما وتتبع مواقعنا فقط من أجل أن تستمع لما يطرح من أسئلة فقط وتكسب الكثير، ولا مانع لدينا أن يربح أحدهم مرة أو مرتين أو حتى ثلاث فأنا أعرف من الحضور من يأتي فقط لهذا الموضوع، مصادري كثيرة من القرآن الكريم، والطبري، الترمذي، البخاري، والمسانيد كلها تقريبا إضافة، للصحف، والكتب العلمية، وكتب الألغاز، والتراث الشعبي، لدي دفتر يحتوي على ما يقارب 300 معلومة، وأذكر أنني بعت غسالة ملابس قيمتها 900 ريال في المزاد، بسعر 350 ريالا. والحقيقة كما يضيف أبو علي لا صحة لمن يقول بأننا نبيع البضائع الرديئة أو المقلدة، لومن فضل الله تعالى حالما أمسك الميكرفون وأبدأ في النداء على الناس إلا ويلتفوا حولي بل أنهم يجتمعون قبلما آتي. الكوع والبوع عمر ممدوح العريشي «39 عاما» قال: حدث في يوم ما، أنني كنت في كيلو 14 في طريق مكةالمكرمة القديم، شاهدت أحدهم يقف بسيارته المحملة بتلك البضائع ويقوم بالمزاد على كل قطعة فيها، وجدت الناس يتفاعلون معه، والغريب أن الجميع يكون راضيا عما يحصل عليه حتى ولو دفع فيها أثناء المزاد سعرا مبالغا فيه، المهم لديه شعور بأنه الرابح عند المزايدة على تلك القطعة أو ذلك الجهاز، ولهذا أعجبت بالفكرة، ولأنني كنت أحد خريجي المعهد المهني و لم أجد عملا، قررت خوض التجربة بعد أن عايشتها أولا عن قرب، ولهذا اقترحت على صاحب تلك السيارة مساعدته في العمل، بحيث يتفرغ هو للمزاد، في حين أعمل أنا كمحاسب، وكعامل ينقل السلعة، أو البضاعة من داخل سيارته إلى صاحبها، الذي حصل عليها سواء كان بالمزاد أو نتيجة لإجابته على السؤال المطروح، وعملت مع صاحب تلك السيارة قرابة التسعة أشهر، عرفت خلالها طبيعة العمل، بعدها عرض علي الرجل العمل معه كشريك، إلا أنني رفضت لأنني رغبت في العمل مستقلا بذاتي، لهذا اشتريت سيارة مستعملة وبدأت العمل عليها، وأذكر أن أول مزاد أقمته بنفس الطريقة كان في رمضان، أمام جامع كبير في وسط جدة، وبعد صلاة التراويح، وهذا المزاد الأول شجعني على مواصلة العمل، ولهذا اكتسبت عادة جميلة من خلال هذا العمل، وهي أنني أصبحت أدون كل معلومة أسمعها أو أطلع عليها، واستغل وقت الصباح دائما في تصفح الإنترنت للبحث عن المعلومة التي تفيد الناس ويستفيد منها كل الحضور، حتى أني جمعت في ثلاثة دفاتر من فئة أبو (200) ورقة الكثير من المعارف والمعلومات، وأفكر بصورة جادة في طبعها في كتاب، ومن المواقف التي لا أنساها، أن أحدهم قال لي ذات يوم إنه لو لم يفز بجهاز التلفزيون الذي حصل عليه لكفاه أن تعلم (الكوع من البوع)، حيث قال: إنه ظل طوال عمره (44 عاما) يتصور الكوع شيئا والبوع شيئا آخر، حتى أصبح من المواظبين على الاستماع لتلك الأسئلة، لدرجة أنه كان يحضر معه جهاز (اللاب توب) الخاص به، لكي يدون فيه تلك المعلومات، بل عرض علي شراء تلك الدفاتر بمبلغ كبير. مسامير وأحجار ويذكر علي سعيد الشعبي «48 عاما» كبائع مزاد قائلا: أذكر أنني قلت ذات مرة للحضور وكان ذلك في شهر محرم من هذا العام، هل ترون هذه الثلاجة الكبيرة هي جائزة لمن في جيبه الآن رضاعة طفل صغير مليئة بالحليب، قلت ذلك وأنا واثق أنه لن يكون هناك من يحمل تلك الرضاعة في ذلك الوقت، وما فعلت ذلك إلا من أجل أن أبدأ المزاد على الثلاجة بأسلوب فيه نوع من الدعابة للناس، لكن فوجئت بأحدهم بالفعل يخرج رضاعة طفله من جيبه الأيمن، وأمام الناس، فأسقط في يدي، ولم يكن أمامي إلا الرضوخ والوفاء بما وعدت فطلبت إخراج الثلاجة ووضعها له في سيارته، الغريب أني كنت دائما أشاهد الرجل مع الحضور، وأينما ذهبت أجده يقف مع الناس، ولا يتدخل في المزاد أبدا، يقف صامتا وظل على هذا الحال قرابة الأربعة أشهر، استوقفني ذات مرة قائلا: يا أخي لماذا لم تعد تقول من في جيبه قرش أو أي شيء؟ فقلت له، لم تأت مناسبة بذلك لكن لعلي أطرح هذا الطلب في المرات المقبلة، فضحك الرجل وقال: تخيل أنني كنت كل هذه المدة الطويلة أتابع مكانك، وأحضر بانتظام، وقد وضعت في جيبي الكثير من الأشياء، ومد يده وأخرج دبوسا ومساحة قلم رصاص وجنية ذهب وجنيه فضة وبكرة خياطة وحجارة بيضاء وأخرى سوداء وهللة وريال أبو جبل ونصف ريال، فضحكت من قلبي وقلت له والله لن تغادر إلا وتأخذ هدية، وطلبت منه وأمام كل الحضور أن يختار هديته بنفسه، فأشار إلى (مكيف 24 وحدة).