على الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة لفرض الأمن والاستقرار في كافة ربوع العالم، إلا أن هناك قلة من الدول تصر على زعزعة أمن واستقرار الدول المجاورة لها بل وحتى غير المجاورة لها، وهذه الدول عادة ما يتميز نظام الحكم فيها بالاستبداد، وهي تسعى لذلك رغبة منها في بسط نفوذها السياسي، والمتتبع للتاريخ يجد أنه كلما تميز النظام السياسي بالدكتاتورية كلما اشتدت رغبة النظام الحاكم الجامحة في التوسع خارج حدوده، وقد يكون هذا التوسع مباشراً كأن يقوم بغزو دولة أخرى، أو بشكل غير مباشر من خلال الاستعانة بوكلاء يعملون لصالحه. ولأن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لا يتهاونون في فرض السلم الدولي -وخاصة إذا كانت الدولة المعتدَى عليها ذات قوة سياسية واقتصادية- فإن التدخل المباشر في الشؤون الداخلية لدولة أخرى غالباً ما يتم ردعه عسكرياً كما حدث للعراق بعد غزوه لدولة الكويت الشقيقة العام 1990، لذلك تلجأ بعض الأنظمة المارقة إلى التدخل غير المباشر من خلال عملاء لها، وقد تلجأ إلى الاستعانة بميليشيات متمردة تقوم بتزويدها بالسلاح لتحقيق أهدافها، ومن خلال هذا النهج المستتر يتم التحالف مع جماعات منشقة أو معارضين أو حتى قراصنة دوليين ومرتزقة وتمويلهم بسخاء دون أن يزج باسم الدولة في أي صراع بطريقة مباشرة، ومن ثم لا تتعرض للردع العسكري أو حتى للعقوبات الدولية، والتي قد تعرّضها للكثير من المآزق والأزمات. يزخر التاريخ بالعديد من الإرهابيين الدوليين الذين اشتهروا بعملهم كمرتزقة لتنفيذ عمليات إرهابية بعينها لصالح بعض الأنظمة السياسية، ولعل أشهرهم كان الإرهابي كارلوس والإرهابي صبري البنا المعروف بأبو نضال، وللأسف كانت بعض الدول تستعين بهم لتحقيق مخططاتها، فالإرهابي أبو نضال كان يقيم بليبيا تحت رعاية الرئيس الليبي السابق القذافي، قبل أن يقوم الأخير بطرده بعد أن فُرضت عليه العقوبات الدولية بعد حادثة لوكيربي الشهيرة، ومن ثم حط رحاله في عراق صدام حسين قبل أن يتم اغتياله في ظروف غامضة العام 2002 بعد أن بدأت الولاياتالمتحدة تستعد لغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، أما الإرهابي كارلوس فقد قامت فرنسا باختطافه من السودان قبل عقود ولا يزال قابعاً في سجونها حتى كتابة هذه السطور. يتحدث الكاتب البريطاني «باتريك سيل» في كتابه «بندقية للإيجار» عن تاريخ أبي نضال، ولعل العنوان يوضح تماماً الدور الذي يقوم به سماسرة الإرهاب لتحقيق أهداف بعض الدول دون تدخلها مباشرة في أي صراع، ولا شك لدينا في أن التنظيمات التي نشأت خلال العقود الماضية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش لا تختلف كثيراً عما كان يقوم به هؤلاء الإرهابيين، فكلاهما يستهدف قتل المدنيين الأبرياء في عمليات خسيسة، والكثير من ضحاياهم مدنيين لا علاقة لهم بالسياسة، كما أن عملياتهم الإرهابية تستهدف رجال الأمن أيضاً، والهدف منها هو زعزعة ثقة المواطن في قيادته وإشعاره بافتقاد الأمان في بلده، فكما يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل «من الشرطي الذي يقف في الشارع.. تبدأ هيبة الدولة». وما إرهابيو المنابر -ممن لا هم لهم سوى تأليب الشارع العربي على أنظمته لبث الفوضى- إلا نموذج رخيص لتجار البندقية، فالتحريض المستمر بدعوى الإصلاح والحفاظ على حقوق الإنسان ما هو إلا بوق ينفخون فيه لدغدغة مشاعر المواطنين الأبرياء، والحقيقة المؤكدة أن هناك هدفاً أشد خطراً لمنابر التحريض من مجرد زعزعة الاستقرار، فتلك المنابر المسمومة تسعى من خلال تحريضها إلى استقطاب عملاء لهم داخل الدولة المستهدفة ممن هم على شاكلتهم، ومن خلال التعليقات التي يقوم بها بعض متابعيهم عبر منصات التواصل الاجتماعي ينتقون بعناية بعضهم لاتخاذهم كطابور خامس لنقل المعلومات الحساسة أو للقيام بعمليات إرهابية مقابل حفنة من المال، ولذلك فإن حكومة المملكة العربية السعودية لا تتهاون إطلاقاً مع من باع وطنه وشعبه، ولذا تقف أجهزتها الأمنية دائماً لهم بالمرصاد. من المؤسف أنه لا يمكن التخلص من جميع البنادق المؤجرة بين ليلة وضحاها، فمحاربة الإرهاب ليست فقط مسؤولية رجل الأمن، بل هي مسؤولية كل مواطن غيور على وطنه، أما الدول المارقة التي لا حدود لأطماعها والتي ليس أمامها سوى الاستعانة بهؤلاء لتحقيق أهدافها الوضيعة في تمزيق المجتمعات فلن تختفي دفعة واحدة، ولعل ما يحدث في بعض الدول التي مزقتها الحروب الأهلية لهو نموذج لتدخل بعض الدول في شؤون بعض الدول الأخرى بشكل سافر، فالأوطان تشيّد بجهود سواعد أبنائها المخلصين.