أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن تُحسم نتائج الانتخابات الأمريكية بتلك السرعة والسلاسة التي جرت يوم أمس. كان المشهد الذي يسبقها متوتراً جداً، وتوقعات كثيرة بأن لغطاً كبيراً سيحدث حول النتائج، ما قد يفجر الوضع أمنياً، ويخلق انقساماً عنيفاً داخل المجتمع الأمريكي. استقطابات حادة ولغة قاسية ومناظرات عنيفة توحي بمشهد انتخابي متوتر، لكن الذي حدث أثبت عراقة وصلابة النظام الانتخابي الأمريكي وقوة المؤسسات الأمريكية واستفادتها من التجارب السلبية السابقة بشكل ذكي للحفاظ على نظام ديموقراطي عظيم. خلال وقت قياسي، مقارنة بكثير من الانتخابات السابقة، بدأ تدفق النتائج، وكالعادة كانت الأنظار على الولايات المتأرجحة الحاسمة التي تتأخر بعضها في فرز النتائج، لكن حدثت مفاجأة غير متوقعة عندما بدأت تلك الولايات الالتحاق بالموجة الحمراء، ولم يكن ترمب بحاجة إلى انتظارها جميعاً عندما بدأت الأصوات تتدفق لصالحه، وقبل بزوغ فجر الأربعاء كانت النتيجة محسومة بعودة ترمب إلى البيت الأبيض. طبعاً تحليل ما حدث بالتفصيل يحتاج وقتاً طويلاً لوجود عوامل كثيرة مهمة، ولكن في هذه العجالة يمكن القول، إن السبب ليس بالضرورة براعة البرنامج الانتخابي لترمب رغم ملامسته لقضايا جوهرية للداخل الأمريكي من أهمها الاقتصاد، ولكن بشكل أهم كان السبب الكبير ضعف البرنامج الديموقراطي الذي قدمته هاريس. لم يكن هناك برنامج قادر على منافسة برنامج ترمب يجعل المفاضلة بينهما صعبة ودقيقة، وأيضاً لم تكن هناك مقارنة بين كاريزما هاريس مقابل ترمب، التي أضرتها الوصاية المباشرة المستمرة عليها خلال الانتخابات من باراك أوباما، بعد ابتعاد بايدن وتدهور حالته الصحية. وربما يضاف لذلك، أن الإدارة الديموقراطية السابقة بالغت بالتدخل في القيم الاجتماعية والضوابط العائلية والمحددات الأخلاقية بشكل سلبي، وراهنت على ملفات مثل هذه ظنتها مصيرية لدى كل العائلات الأمريكية إضافة إلى فشلها الاقتصادي، بينما الأمر ليس كذلك، فالاقتصاد والصحة والأمن والتعليم والضمان الاجتماعي هي قضايا المجتمع الأمريكي نتيجة ما مر به من متاعب متزايدة. ظاهرة دونالد ترمب ستدخل التأريخ من أوسع أبوابه. رئيس سابق يصر على الترشح مرة ثانية بعد خروجه، ويواجه في سباق الرئاسة أشد المخاطر وأكبر المصاعب لكنها لم تجعله يتراجع، ثم يفوز بشكل درامي سريع ليعود مرة أخرى إلى البيت الأبيض.