أمريكا تصدِّر للعالم أفكارها وبضائعها من مطاعم ومقاهي الأكلات السريعة والتي تساهم سلبياً على صحة الإنسان، ولكن هذه هي طبيعة العصر الذي نعيشه، أمريكا تصدِّر الأفكار الاستهلاكية للشعوب وتفرض هيمنة مرغوبة من شعوب العالم بأفلامها ورياضييها، ويصل الحال برجال السياسة فيها وكأنهم هم من يتحكمون بمصير شعوب تبعد عنهم المسافات الطويلة. هي أمريكا التي لها تأثيرات إيجابية على العالم كافة بجامعاتها واكتشافاتها العلمية وخاصة ما له علاقة بعالم الطب وصحة الإنسان، عندما نشهد الثورة المعلوماتية وما تحدثه في عالمنا اليوم من تغيرات اجتماعية واقتصادية متسارعة، ومن آخرها حالة الذكاء الاصطناعي وما سوف يشكله على نمط الإنسان المعاصر، هذه الاكتشافات هي أمريكية بامتياز بعيداً عن الاختلاف عن مواقف أمريكا السياسية عن قضايا شعوب العالم. فكرة المراكز التجارية هي بالأساس فكرة اقتصادية أمريكية صدَّرتها للعالم كشكل جديد ومبتكر للتسوق اليومي، وهذه الفكرة بدأت في أمريكا في خمسينيات القرن الماضي في ولاية مينسوتا الأمريكية، وصاحب الفكرة معماري من أصل نمساوي هرب من بلاده عام 1938 بعد الاحتلال النازي لبلاده، فيكتور جروين هو ابو «المولات التجارية»، والذي نقل هدوء وجمال مدينته النمساوية في فكرة مراكزه التجارية أي أن تكون مكاناً هادئاً وجميلاً للقاءات العائلية للأكل والتسوق تحت أنغام الموسيقى، ولكن التساؤل المطروح هو هل بالفعل المولات حققت هذه الأحلام الوردية لمخترعها النمساوي فيكتور جروين، والذي يقال إنه تخلى عن أبوته لفكرة المراكز التجارية الحديثة في العالم والتي انتشرت في أمريكا الشمالية بسرعة مذهلة، وصلت إلى حوالى 25 ألف مركز تجاري هناك ومن ثم صدّرتها أمريكا للعالم وقضت بشكل غير مباشر على الأسواق التقليدية القديمة في مناطق العالم. في مدن الخليج الرئيسية شكلت «المولات» ملمحاً مهماً من شخصية وشكل المدن الخليجية المعاصرة، وأصبحت «مولاتها» التجارية مراكز جذب تجاري وسياحي لها، بل إن بعضها شكلت هذه المراكز نقطة أساسية في تنميتها من حيث ضخامة هذه المراكز وأشكالها المبتكرة وما تحويه من كل الأصناف مِن البضائع والخدمات والملاهي للصغار والكبار، وأصبحت تلك المراكز من معالم بعض الدول الخليجية حيث يقصدها ملايين السياح لغرض التسوق وحضور مهرجانات العروض والمواسم التجارية في تلك المولات، أي سيطرة تلك المراكز على ثقافة الدولة والمجتمع المحلي. في بعض مدن المملكة «المولات التجارية» لها حضور قوي منذ الطفرة الأولى وخاصة في مدينة جدة التجارية، وانتقلت إلى باقي مدن المملكة، الرياض العاصمة الآن تعيش حالة عمرانية كبيرة في مجالات عدة ويأتي بناء وإنشاء هذه المراكز التجارية في مقدمتها والكثير منها سوف يكون حاضراً في الرياض الجديدة، وأصبحت المولات عندنا مراكز للترفيه ورياضة المشي والتسوق واللقاءات الاجتماعية، بل إن كبار السن أصبحوا يقصدونها للترفيه عن أنفسهم، لست ضد هذه المراكز التجارية ولكننا يجب أن نفكر بشكل جدي أين يُصرَّح لإقامتها ومواقعها، حتى لا نخلق منها مراكز اختناقات مرورية وحياتية للمناطق السكنية المجاورة لها، والبعض يفرح أن هناك قربه سوف يبنى مركز تجاري ضخم ولكن العواقب سوف تكون واردة في المستقبل، بعض الدول تصرح لإقامة هذه المولات في مناطق بعيدة نوعاً ما عن المناطق السكنية وتخطط لها طرقاً سريعة وخطوطاً لشبكة «المترو» لتلك المراكز وهذه فكرة جيدة، وأتمنى أن تكون هذه المراكز عوامل جذب حقيقي لثقافة البلد وليس لتسليع هذه الثقافة، وأن نشهد تنوعاً في الأشكال المعمارية لهذه المولات كما يحدث في أحد مولات الرياض في شمالها وهو قديم نوعاً ما وليس بذلك الحجم الكبير نوعاً ما، عملت أدواره الأرضية مساحة للاتليهات والمعارض الفنية فقط وهذا ما قصدته بالتنوع بالشكل والمضمون.