•• في رحلة عودتي من الرياض إلى هبة الرب (جُدَّة) مزيناً وجهي بالتبسم؛ طرز حجم الزمن زخات هوائها بمجرد أن غادرت الطائرة أَدِيم أرضها.. وفي مروري على واجهتها البحرية لأرى كثافة زرقة مائها البراق الذهبي؛ شعرت بسعادة ورضا لذلك التحول الشامل في كورنيشها الخلّاب.. فأهالي جدة وزائروها أصبحوا لا يشيحون بوجوههم عن واجهة مدينتهم البحرية.. وتلك نعمة من الرب سبحانه عليهم. •• النِعَم في حياة البشر تفرض عليهم ألا يقلقوا على المستقبل وألا يخشوا الغد.. مثلاً نِعمة «البال الهنيء» تنقلنا دون انتظار إلى اليُسر بعد العُسر.. وهناك من كانت نجمة السماء فراشه لا مأوى له؛ أصبح بالحمد ينقش اسمه على أبواب راحة البال.. فمن يكفر بالنعمة أو يجحفها ويجحدها؛ ينتهي به الحال إلى نهاية تعيسة لم يتوقها فتكون له بمثابة لعنة حقيقية. •• هذا الحمد المفقود الذي أتحدث عنه يتحول إلى قُبُح وشناعة تُنقص من مروءة الإنسان.. «فالجحود» يسرق من صاحبه زمنه ويجعله «فُرجة» فيتوقف من الرعب قلبه الناكر.. أما «الجاحد» فيشهد تغييرات جذرية في حياته وإخفاقاً، وتدهوراً في نفسه المقيتة.. وبين الجاحد والجحود علاقة سمِجة مُقززة، يعيش فيها الجاحد لحظة قهر.. لحظات تأملية يعيشها أولئك الجاحدون في رتابة وسطحية يفقدون معها صوابهم. •• من لا يحمد لخالقه نِعَمَه العظيمة وآلاءه الجسيمة؛ يشعر بالرعب خوفاً من أن يخذله الزمن.. ومن لا يقدم الثناء لرازقه على عظيم أعطياته؛ تميل عنه كفة الدنيا ويسقط في أنياب اليأس.. ومن لا يشكر على ما أعطي من خيرات وبركات؛ تتحول حياته في مرحلة من الزمن إلى سواد وصراخ وتمنٍّ.. أولئك يجحفون في حق أنفسهم بأن لا يتذوقوا طعم الفردوس.