استكمالاً للمقالات السابقة نحو مواكبة ما يتعلق باستغلال الفضاء الخارجي، فإنني أشير إلى التطور التكنولوجي المتسارع الذي شهده العالم في السنوات العشر الأخيرة ورغبة القطاع الخاص في الدخول في مجال الاستثمار في الفضاء الخارجي، بعد أن كانت الاستثمارات في هذا القطاع تقتصر سابقاً على المبادرات الحكومية، وقد جرى تنظيم الاستثمارات التجارية في الفضاء عن طريق قواعد القانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم وضع مبادئ قانونية شكّلت أساساً لأي نشاط فضائي تقوم به الدول، أو الشركات الخاصة، ومسألة استثمار القطاع الخاص في الفضاء الخارجي باتت حقيقة واقعة بعد أن نظمت العديد من القوانين شروط ومتطلبات منح تراخيص الأنشطة الفضائية، عن طريق الحصول على إذن من السلطة الوطنية المختصة، بناء على توصية لجنة الأممالمتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، بحيث يتم تحديد السلطات والإجراءات وشروط منح الترخيص وتعديله وأن تكون شروط الترخيص متسقة مع الالتزامات الدولية، لا سيما معاهدات الأممالمتحدة المتعلقة بالفضاء الخارجي والتزاماتها. وفي هذا الصدد هناك رأي يستند إلى المادة (السادسة) لمعاهدة الفضاء، بأن للقطاع الخاص حق استثمار واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك إرسال الأقمار الصناعية وإنشاء محطات الفضاء وتنظيم النقل والرحلات الفضائية بعد استجابة الجهة الحكومية المختصة التي لها سلطة الاعتراض على هذه الأنشطة ووقفها، إلا أن هناك رأياً آخر بأنه لا يجوز للقطاع الخاص ممارسة الأنشطة الفضائية دون ترخيص وإذن مسبق من الجهة الحكومية المختصة وتحت رقابتها وإشرافها، استنادا إلى المادة السادسة من دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية التي دمجت فيه المعاهدة الدولية في القانون الداخلي، ومن ثم فهي تفرض التزاما على جميع الجهات والمؤسسات داخل الدولة بالامتناع عن ممارسة الأنشطة الفضائية دون الحصول على إذن من الجهة المختصة، وذلك طبقاً للمادة السادسة من معاهدة الفضاء الخارجي. أما الرأي الثالث فقد قال بأن المؤسسات الخاصة لها الحق في ممارسة الأنشطة الفضائية دون إذن أو ترخيص، أو رقابة من قبل الحكومة الوطنية في حال عدم وجود تشريع خاص ينظم ممارسة المؤسسات الخاصة للأنشطة الفضائية، لأن الحكومة المعنية قد لا تستطيع منع المؤسسات الخاصة من ممارسة أعمال الفضاء، في حال عدم وجود تنظيم خاص من قبل المشرع الوطني لهذا الاستثمار، عليه فإن مسألة مزاولة القطاع الخاص للاستثمار في الفضاء الخارجي باتت حقيقة واقعة، حيث نظمت العديد من القوانين شروط ومتطلبات منح تراخيص الأنشطة الفضائية للقطاع الخاص متجاوزة المادة (السادسة) من معاهدة الفضاء الخارجي التي احتفظت للدولة بالحق الحصري في تنظيم وتحديد كيفية منح الترخيص وممارسة واجب الرقابة، والإشراف على الأنشطة التجارية الفضائية للقطاع الخاص، وبذلك يرتكز إصدار ترخيص الأنشطة الفضائية التي يقوم بها القطاع الخاص على ثلاثة مقومات رئيسية، أولها تنظيم الحكومة لهذه الأنشطة بما يتفق مع المصالح الوطنية والسياسة العامة في الدولة، وثانيها أن الحكومة تسعى إلى تنظيم هذه الأنشطة التجارية للقطاع الخاص وذلك وفاء لالتزاماتها الدولية بموجب معاهدة الفضاء الخارجي التي تفرض عليها هذا الالتزام، وثالثها أن الحكومة تسعى إلى تنظيم هذه الأنشطة بالقدر اللازم للوفاء بالتزاماتها في هذا مجال الاستثمار في الفضاء الخارجي. علماً بأنه لا توجد دولة عربية تصدر تراخيص للفضاء، ولكنها وضعت شروطاً للتراخيص متمثلة فيما هو متبع لدى وكالة ناسا، والالتزام بمعاهدة الفضاء الخارجي، وقد اعتمدت بعض وكالات الفضاء العربية مثل مملكتنا الحبيبة وجمهورية مصر العربية، فقد اعتمدت وكالة الفضاء المصرية عام 2018م، واعتمد مكتب الأممالمتحدة لشؤون الفضاء الخارجي للأغراض السلمية للهيئة السعودية للفضاء ممثلا رسميا للسعودية فى المنظمة، فى مايو 2020م، وأدرج شعارها في موقعه الإلكتروني الرسمي. ووافق مجلس الوزراء السعودي في 14 يونيو 2023 على تحويل (الهيئة السعودية للفضاء) إلى وكالة باسم (وكالة الفضاء السعودية)، والموافقة على تنظيمها. ومؤخرا انعقد مؤتمر الحطام الفضائي بمدينة الرياض في 11، 12 فبراير عام 2024م للتأكيد على أهمية تقنيات الفضاء ودورها في تعزيز الجهود البييئة وذلك من منطلق المشاركة في علوم المستقبل.