حكاية القصيدة الشهيرة للأصمعي «صوت صفير البلبل» التي تغنت بها المجالس والأجيال المعاقبة لطرافتها وحكمتها؛ تفكير خارج الصندوق بعمق فكر وحلاوة روح.. والقصة المتناقلة في كتب التاريخ أسردها بتصرف: تحدى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الشعراء أن من يأتي بقصيدة حديثة يحوز بها وزن ما كتبت عليه ذهباً، فإذا جاء شاعر بأبيات سهر على نظمها الليالي يُقال له «قيلت من قبل، هاتِ غيرها»، فيخرج من عند الخليفة كالمجنون خالي الوفاض لا يعرف سبباً. أما الأمر الخفي على هؤلاء الشعراء الذي جعلهم يعجزون عن نيل الجائرة، فهو أن الخليفة يملك ذاكرة قوية إذا سمع أبياتاً حفظها من المرة الأولى لسماعها، وغلامه يحفظها من المرة الثانية، وجاريته من المرة الثالثة، فيسردونها الثلاثة أمام االحاضرين لتظهر وكأنها قيلت من قبل.. الأصمعي بفطنته عرف الحيلة فجاء للخليفة على هيئة إعرابي يحمل قصيدة "صوت صفير البلبل" صعبة الحفظ بتراكيبها الجافة ومفرداتها الحادة، نقشها على عمود رخام ورثه عن أبيه.. ولما عجز الخليفة وغلامه وجاريته عن إعادة سرد القصيدة، مُنح الأصمعي ذهباً بوزن عموده الرخامي فأفرغ الخزينة من الذهب.. وحين طُلب منه إعادته رفض إلا بعد منح الهبات لبقية الشعراء على قولهم ومنقولهم، وكان لهم ذلك، فأعاده للخزينة. إذن؛ ذكاء الأصمعي بقصيدته العجيبة غير من حياته، ومن طريقة تفكير شعراء زمنه. قصة توجهنا للبحث عن مكامن العثرات لنعمل عليها.. والشاهد؛ أن من يستسلم لعقبات الحياة ويتراجع عن أحلامه وطموحاته؛ يدخله اليأس ولا يزوره الإبداع.. كلنا نملك مواهب وطموحات وإبداعات ومكامن قوى تحتاج منا إلى تفعيل.. وهناك قصص نجاح خلف كواليسها مئات من قصص الكفاح. أخيراً: إن ركوب قطار التطوير أحد أساسات النجاح والتقدم، مع الأخذ بالأسباب، والتوكل على رب العزة والجلال.. وإن تغيير طريقة تفكيرنا تطوير لذواتنا التواقة، وإن النظر من زوايا متعددة يجعلنا قادرين على تحقيق أحلامنا وطموحاتانا وأهدافنا. فثابر نحو حلمك ولا تيأس، وأخرِج صوت الإبداع بداخلك دون صفير الإحباط.