«قَدَر الكبار دائماً أن أفعالهم تحت المجهر».. وهكذا هو قدر المملكة العربية السعودية التي لا تلبث أن تصنع فخراً إلا وتبني آخر، وها هي السعودية تساهم في صناعة دولة وباعتراف دولي وضجة عالمية وعلى مرأى العالم وتحت ضغط منها وجهود امتدت لعقود ومبادرات تاريخية لا ينكرها إلا جاحد أو مزوّر أو جاهل، وعطفاً على تلك الجهود وثمرتها التي أزهرت وأينعت وتفتقت عن دولة باعتراف أممي، فالمملكة اليوم تحت مجهر العدو والمتربص في محاولات لهدم الجهود ونسبها لغير ذي فضل أو صاحب أجندات برغماتية تحت دثار القضية، وهذا على كل حال ليس بجديد وليس ذا أهمية لنا، فنحن دولة أفعال لا دولة أقوال. بدأ موقف المملكة من قضية فلسطين منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه، وموقفه التاريخي عبر مؤتمر المائدة المستديرة 1935م لمناقشة القضية الفلسطينية، وقامت المملكة بدعم ومساندة القضية الفلسطينية على جميع الأصعدة وشاركت في العديد من المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بحل القضية الفلسطينية ابتداء من مؤتمر مدريد، وانتهاءً بخارطة الطريق ومبادرة السلام العربي، مروراً باحتضان كل ما من شأنه حل القضية وجمع الفرقاء والمطالبات المستمرة من إسرائيل بالالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تنص على الانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م، ومطالباتها المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وإدانتها بمذكرة احتجاج لدى محكمة العدل الدولية عند قيام إسرائيل ببناء الجدار العازل الذي يضم أراضي فلسطينية واسعة الأمر الذي أفضى إلى قرار المحكمة بعدم شرعية الجدار وإزالته، فالمملكة هي «حجر الزاوية» في كل حراك يتعلق بالقضية الفلسطينية حتى باتت قضيتها الأولى عربياً منذ بدء الصراع حتى يومنا هذا الذي يبشّر بدولة فلسطينية اعترفت بها غالبية الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، أي قرابة 139 من إجمالي 193 دولة، وتنضم إليها مجدداً إسبانيا والنرويج وإيرلندا. لم تكن فلسطين بالنسبة للمملكة العربية السعودية مجرد قضية قابلة للنجاح أو الفشل، بل دولة لا بد لها أن تنجح وتنهض ويعترف بها ولو كلف الأمر ما كلفه سياسياً أو مادياً، وهذا ما حدث بالفعل، وبعد ضغوطات كبيرة مارستها المملكة بما حباها الله من مقدرات وحضور ومكانة دولية خضعت لها كبريات الدول وسلمت بها ككيان إستراتيجي محوري هو المحرك لأي عملية سلام في المنطقة والتاريخ لا يكذب.