قيل في استفزاز الآخرين: «يعمل الغضب كمُهدٍّ ذاتي يمنحك الفرصة لتبيان موقفك بطريقة حازمة»، قاله عالم النفس الأمريكي «ليون سلتزر».. وأقول: من أخطأ في حقنا في ثوانٍ؛ لماذا ننشغل به ونفكر في إساءته، فنضيع على ذواتنا سعادة يوم كامل!.. إذن؛ كيف نتجاوز انفعال اللحظة مع أي إساءة؟ وهل يكون بالبوح أم بالصمت؟ ولماذا يفتقد بعض المخطئين علينا ثقافة الاعتذار؟ •• •• •• حين تتطلب منا الفصول المسيئة لنا اكتساب اختبارات لا بد منها؛ يصبح لوجودنا في الحياة معنى يدلنا على أنفسنا وزمننا.. ومن أراد اختيار زمن يرغب أن يعيش فيه بعيداً عن إساءات بعض البشر؛ عليه الانتساب إلى صف التسامح بقِيَمه ومبادئه.. أما إن أرادنا أمناً داخلياً واستقراراً نفسياً؛ فلنصرفه من صيدلة النبوة: «صِلْ من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك». •• •• •• بين مهارة اعتذار مُذْعِن وثقافة ضِرار محنَّطة تبللان ضريح القلب؛ سحاب مدرار لدفء روح يجبر العظم، أو تنابُذ يحني الظهر.. وبين من يتلحف برداء الانتقاص من البشر، ومن يكتسي معطف الإجلال لمن يعاشر؛ شقاء إنسان وسعادته في سبيل لقمة حياة.. وبين من ينتقص أفعال الآخرين برذائل عُمر، ومن يشوه جمال الحياة بدناءة تنهك القوى؛ أصوات حزينة ترتفع داخل غابة جرداء. •• •• •• في تلذذ المسيئين بكبريائهم المرتفع عن حياة الناس؛ غيبوبة شعور بأن كل شيء برَّاق تحتهم لا بد أن يكون ضئيلاً.. وفي قراءة صفحات أولئك المشاحنين الضاغنين، وتصفح تعابير جباههم المكفهرة؛ اضطرابٌ مركب أقرب إلى خوف يهيم داخل نفوسهم المتورمة حقداً.. وفي التصفيق لإساءات وتعسف تلك الوجوه الذليلة وهي تؤذي غيرها؛ فإننا نمنحها طاقة حنان متخثرة تزداد سماكة مثل تجاعيد الزمن. •• •• •• عند كلام الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم: «كفوا عن الشتم، فإنه أسلم لكم»؛ ردة فعل وقُورة بطريقة هادئة غير متأزمة.. وأولئك المؤذون لمشاعر الآخرين، المفتقدون لثقافة الاعتذار، المتغطرسون عن إطلاق الأسف؛ لا رغبة داخلية لديهم لتصحيح الموقف المسيء أو معالجته.. فإذا تلقى أحدنا إساءة آخر دون اعتذار؛ فليطلق بريق الصفح، ولا يسجن ذاته في التركيبة الإنسانية السلبية التي تفقده توازنه.