قيل شعراً: «أَزَف الرحيل وحان أن نتفرقا، فإلى اللقا يا صاحبي إلى اللقا»، شاعر المهجر الكبير «إيليا أبو ماضي» (1889 1957).. وأقول نثراً برحيل من كان ظلاً يحرسني، الأديب الشاعر عبدالله المعطاني: «جمر الغضا يسكن وجداني، وحزن غارق لا يفارق فؤادي».. إذن؛ كيف نتعامل مع الفراق برحيل أحبتنا عن الدنيا؟ وكيف نزرع في دواخلنا الصبر والاحتساب اللذين يعقبهما الرضا بقضاء الله؟ •• •• •• حين نجسِّد لإنسان لا يشبهه أحد، متين في تخصصه، حصين في تواضعه؛ فإننا نتحدث عن رحيق وردة على لسان نحلة.. ولما نكتب عن بارع من علماء الأدب واللغة، فإننا نحيط بلغوي يغرف من كنز التراث، وأديب يمخر في عباب العربية.. أما بدايات رحلته العملية أستاذاً جامعياً للنقد والأدب؛ فانتشى في ذلك المكان الرفيع، وحقق حلماً عَمِل عليه معظم أيام عُمره. •• •• •• بين داخل عميق ونفس متصالحة مع الناس، وتحرُّك موجات الشعر والبحث والدراسة؛ تفنن لتشنيف آذان سامعيه بتصوير بديع يذهب بالألباب.. وبين أدب مكتوب دبِّج بخلاصة تجربة حياة، وأَشَائِب أدب مسموع نُطق برشاقة؛ سبيكة من الجُمل والكلمات حررت بمداد رحيق العُمر.. وبين كتابة الشعر بفرشاة من نور، وعرض الأدب بتفرد من شذى؛ انبعاث لقافية أبيات لوذعية وإحياء لموجة كلمات دائمة التجدد. •• •• •• في أخذ الأحبة من قِبَل ربٍّ يحيي العظام وهي رميم؛ إيمان بأن ما أخذته الأقدار لا نملك الحق في استرداده.. فمن هؤلاء الراحلون من هم فاخرو الهيبة ببهجة خاصة وروح تشبه عروق النعناع؛ احتلوا قلوبنا وزينوها بأيقونات فرح وعطر آسر.. ومنهم من هو راضي النفس منح من حوله بدائع الدنيا ومباهج الحياة؛ أولئك الذين أضاءوا حياتنا بالحب الصادق والوفاء الخالص. •• •• •• عند كلام الشاعر العباسي «وجيه الدولة الحمداني»: «ومفارق ودعت عند فراقه، ودعت صبري عنه في توديعه»؛ آهات منسابة كجرح نازف.. وأولئك الراحلون ممن نضجنا على محبتهم، وأرغمونا بتوازنهم على الابتسام؛ سيبقون داخل خواطرنا مدى الحياة، نمنحهم قدراً كبيراً من الوفاء.. فإذا تواروا عن أنظارنا بالغياب تحت التراب؛ قلَّبنا دفتر أيامنا وذكرياتنا، لنزرع يقيناً برحمة الخالق، ونردع دموعنا المتلألئة في أعيننا.