أطلعت على مقالة الدكتور نايف الرومي بعنوان (لماذا تفشل إستراتيجيات إصلاح التعليم) المنشورة في جريدة «عكاظ» يوم الأحد تاريخ 31 مارس 2024، وشدني عنوان المقالة، وذلك لتخصصي في مجال الإدارة الاستراتيجية، وخبرتي وممارستي في هذا المجال، وعلاقتي بسلك التعليم. وللتسهيل، يمكن تقسيم المقالة إلى قسمين: القسم الأول يتحدث عن التعليم، والقسم الثاني يتحدث عن وضع الخطط الاستراتيجية وتنفيذها؛ فالقسم الأول يوضح الرغبة في الحصول على تعليم ذي جودة عالية، وأن مشروعات التطوير وإصلاح التعليم وعملية تحسين جودة التعليم تُعتبر كل ذلك مطالب، حتى يتواكب مع التغيرات السريعة التي تحدث في سوق العمل. وأضاف أن «نسبة الغالبة من الخطط الاستراتيجية لإصلاح التعليم وتطويره لم تنجح في تحقيق أهدافها» و«أن نتائج إصلاح التعليم وتطويره لا تصبح ملموسة، إلا على المدى الطويل». أما القسم الثاني من المقالة الذي تحدث فيها عن وضع الخطط الاستراتيجية وتنفيذها، فإنه ما يزيد على 60% من الخطط الاستراتيجية لم تُحقق أهدافها، ولذلك لعدة أسباب منها: أنه لا يوجد التزام جاد في تطبيق جميع أهداف الخطة، وأنه لا يوجد التزام بتنفيذ الاستراتيجيات التي تم وضعها في الخطط، ولا توجد متابعة دورية لتنفيذ الخطة الاستراتيجية لدرجة أن غالبية فِرق القيادة الإستراتيجية تمضي ساعة شهرياً لمتابعة التنفيذ. ومن الأسباب أيضاً: تغير الخطط الاستراتيجية للمنظمة بسبب تغيير قائدها، وعدم وجود خطة تنفيذية واضحة، وضعف إشراك أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين في بناء الخطط الاستراتيجية. بهذا انتهيتُ من ذكر أبرز نقاط المقالة. هذه النقاط المذكورة أعلاه تُعتبر عرضاً جيداً لمشكلة، وهي صحيحة علمياً وعملياً، أما الحل المطروح المقترح في المقالة فيكمن في «القيام بوضع سياسات عامة ومعايير محددة تحكم عملية بناء الإستراتيجية وآليات تنفيذها»، وهذا الحل في نظري صحيح لكنه مختصر. ويكون هذا الحل في المرحلة الأولى من مراحل بناء الخطط الاستراتيجية وهي: مرحلة الإعداد لوضع الخطة الاستراتيجية. ويمكن القول -بشكل عام ومبسط وسريع- إن الحل الأكمل في علاج كل تلك المشكلات هو بعمل نقيضها، فمشكلة ضعف الالتزام بمتابعة الخطة الاستراتيجية يكون حلها بزيادة مدة وعدد مرات المتابعة. ومشكلة ضعف إشراك أصحاب المصلحة الداخليين في بناء الخطة الاستراتيجية لمنظمتهم، يكون حالها هو إشراك أصحاب المصلحة الداخليين (كالموظفين مثلاً) في معظم مراحل بناء الخطة الاستراتيجية وتنفيذها. من واقع دراستي في مجال التخطيط الاستراتيجي وممارستي لها لأكثر من عقدين، فإنني أرى أن أهم عنصر من عناصر بناء الخطة الاستراتيجية الجيدة وتحقيق أهدافها بفاعلية تكمن في اختيار قادة جيدين لهذه الخطوة (أي خطوة وضع الخطة الاستراتيجية). بحيث يكونون دارسين في مجال الإدارة أو أفضل من ذلك متخصيين في مجال التخطيط الاستراتيجي وممارسين له، ويكون دورهم هو تسهيل (facilitation) والمساعدة في وضع الخطة الاستراتيجية للمنظمة. والحل العملي الآخر هو تأسيس مكتب الإدارة الاستراتيجية (Strategic Management Office - SMO) مكون من مجموعة من المهتمين في هذا المجال، ويكون رئيس هذا المكتب من ذوي الاختصاص في الإدارة الاستراتيجية، ويتمتع بصفات معينة. وقد حدد أستاذ جامعة واشنطن الدكتور Charles Hill وأستاذ جامعة تكساس A&M الدكتور Gareth Jones في كتابهما (Essentials of Strategic Management, 2012, p19-21) ست صفات تُعتبر هي الحد الأدنى للقادة الاستراتيجيين وهي: 1. الرؤية (أي لديه إحساس بالوجهة الصحيحة للمنظمة التي يجب أن تسير عليها في المستقبل) والبلاغة (أي توصيل هذه الرؤية للآخرين داخل المنظمة، وذلك بأسلوب يؤدي إلى تشجيعهم وبث الحماس فيهم)، والثبات على الرأي (أي العمل باستمرار وثبات لتحقيق الرؤية، حتى تُصبح الرؤية جزءاً من الثقافة السائدة في المنظمة). 2. الالتزام (أي تشابه أفعال قادة المنظمة مع أقوالهم فيما يتعلق بتحقيق الرؤية). 3. أن يكون على علم جيد (أي أن القائد يتحرى الحصول على معلومات عن منظمته من مصادر رسمية وغير رسيمة). 4. الرغبة في التفويض والتمكين (أي تفويض بعض الصلاحيات للتابعين). 5. الاستخدام الذكي للقوة (أي استخدام السياسة للحصول على آراء الموظفين وحماسهم بدلاً من استخدام السلطة). 6. الذكاء العاطفي (أي الوعي الذاتي، والانضباط الذاتي، والتقمص العاطفي). إن نظريات وقواعد واستراتيجيات وأدوات وأساليب وضع الخطط الاستراتيجية تكون واحدة أو متشابهة إلى حدٍ كبير في أي نوع من أنواع الخطط الاستراتيجية ومهما اختلفت المنظمات؛ سواءً كانت منظمات حكومية أو أهلية أو غير ربحية أو عسكرية، كذلك مهما كان مجال عمل تلك المنظمة مثل التعليم أو غيره. أخيراً، التخطيط الاستراتيجي هو جزء من الإدارة الاستراتيجية يُعتبر علماً من العلوم الإدارية وهو تخصص صعب ومُعقد وقليل من يتخصص فيه يبرع فيه، لذلك قد يكون هذا سبباً في أن كثيراً من الخطط الاستراتيجية لا تحقق أهدافها لندرة الكفاءات البشرية المتخصصة في هذا المجال والتي تدير قيادة الخطط الاستراتيجية.