حين طافت على عينيه غمامتان من الدمع.. أدركت أن «معاوية حسن ياسين» وصل به الطرب منتهاه.. فمن منا لا يحب معاوية حين يعزف بريشتي العود والقلم؟ بعد لحظات من بث حلقة من برنامج «شكراً مليون» على القناة السعودية الأولى، التي جمعت رئيس تحرير «عكاظ» جميل الذيابي بضيف الحلقة، تدفقت مشاعري تجاه أستاذ تدربنا على يديه، وتعلمنا منه فنون الصنعة، فتحولت المكالمة إلى نغمة طروبة احتشدت فيها كلمات الأستاذ بالثناء على «عكاظ» وربانها، في وفائهما لكل صاحب جهد، الصمت أحياناً أبلغ من الكلام، كأن المحتفى به يستعير من الشاعر صلاح أحمد إبراهيم موسيقى الامتنان: «ليت لي أزميل فدياس وروحا عبقرية.. نقروا القيثار في رفق وهاتوا الأغنيات»! «معاوية ياسين».. المتكئ اليوم على «عصا» خفيفة تعينه أحياناً على النهوض، يتكئ أيضاً على رصيد ضخم من الوجدان السليم والروح الوثابة وذخيرة هائلة من مكنونات السودانيين في التراث والغناء والقانون، كل ذلك ملتحفاً جوازه البريطاني الذي لم يحرمه من بساطة السودانيين مترنماً لندن التي عاش فيها نحو عقدين من الزمان، وهناك تعرف على الذيابي في نهاية التسعينات الميلادية من القرن الماضي. حين فاجأه جميل بالهدية قال بلهجته السودانية: «يا سلام دي حاجة جميلة شديد»، لو نطقها بالإنجليزية التي يتقنها لحار فيه أهالي «فليت ستريت». حين هبت رياح الحرب في السودان وغزا الجند إذاعة «هنا أم درمان» أفلح بطل حلقة «شكراً مليون» في جمع شتات النوادر والشرائط وجمع منها ما تيسر على نفقته الخاصة، وأضحت مكتبته في داره استديو لأعاجيب حقيبة الفن ولسان العرب وخالدات حبيبه الفنان الراحل «محمد وردي». ربما لا يعرف متابعو قلمه السيال، أن الرجل صاحب أكبر موسوعة توثيقية للغناء السوداني، أضحت اليوم مرجعاً أساسياً لطلاب معاهد الموسيقى والمسرح.. ربما لهذا فإن معاوية لا يستنكف في خلوه من مداعبة عوده عازفاً ماهراً يختار بها أطايب الألحان. التكريم الذي حظي به مستحق.. شكراً لعارفي فضله من الأساتذة الكبار ومن تلاميذه الكثر في آسيا وأوروبا وأفريقيا، وما بين لندن والرياض والمنامة وجدة والخرطوم.. شكراً مليون جميل الذيابي على هذا «الهدف الذهبي»، الذي سيبقى عامراً في قلب ابن ياسين وقلوب السودانيين.. فمعاوية يستحق ذلك.