رغم ما حققته البشرية من خلال المنصّات في سرعة التواصل مع الآخرين، والتقدم الكبير في عرض المشاريع الإبداعية للعقول، إلا أن المواقع ساهمت في إضعاف العلاقات الاجتماعية، واستلبت من مدمني التواصل الافتراضي طمأنينة السلام المباشر بعد ما ظهر منحنى «السلام واتساب» كملمح جديد. ويرى مواطنون أنّ ما يخيفهم هو تزايد استخدام الناس للمواقع، لا سيما في رمضان. ويقول عجمي العتيبي: إن زائرين التقى بهم وسلم عليهم، وكان السلام بارداً وباهتاً، وأحدهم يردد عبارة «اللقاء قريب» ويقصد لقاء القروب، بزعم أن دردشات حسابات التواصل تجمعهم بالثانية والدقيقة، ما أفقدتهم حرارة السلام المباشر. ويلفت سلطان البقمي إلى أن استخدام مواقع التواصل أفسدت المجالس بشكل كبير، ويتذمر منها كبار السن. وأشار تركي السفياني إلى أن مواقع التواصل تسرقهم من أوقاتهم الجميلة. ودعا فيصل الزهراني، أولياء الأمور لتخصيص ساعات لأبنائهم، تغرس فيهم تقوية العلاقات الاجتماعية المباشرة، والابتعاد عن وسائل التواصل، وبالذات مع الأهل والأقارب. ويحذر حازم عمر بن سميدع، من توغل التكنولوجيا في حياتنا وبالذات في علاقاتنا الاجتماعية، وتسببها في فقدان علاقات بعضنا، وقال: كل الذي أخشاه أن تصبح التقنية وسيلة التواصل الوحيدة فيما بيننا وبالذات بين الابن وأبيه، متسائلاً، في نفس الوقت، إذا كان هذا هو حالنا اليوم فكيف سيكون الحال مع تطور وانتشار الذكاء الاصطناعي؛ الذي بات يدخل في مجالات عديدة في حياتنا، أتمنى ان نستفيد من هذه التقنية، وفي نفس الوقت نحافظ على ماضينا الجميل المستمد من ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا. العالم قرية واحدة يستذكر رئيس لجنة الخضار والفواكه بالغرفة التجارية الصناعية في جدة سحيم الغامدي، أيام زمان، كما وصفها ب«الأيام الجميلة» وكانوا يلمسونها عند دخول رمضان من خلال تبادل التهاني، الجار مع الجار، والصديق مع صديقه، والابن مع أبيه، والجميع يذهب إلى بيت الجدِّ للسلام، عكس اليوم الذي دخلت فيه وسائل التواصل في حياتنا بكثرتها وتنوعها، وأصبح الابن يتواصل مع أبيه ب(الواتس) أو أي برنامج آخر، وكذا الجار مع جاره، فبقدر فرحتنا بهذه التكنولوجيا التي جعلت العالم عبارة عن قرية واحدة بقدر حزننا على فقدان تواصل المحبة المباشرة فيما بيننا، والكل يختلق الأعذار لنفسه، وبات يعتمد على جواله وبريده الإلكتروني في التهنئة وحتى في العزاء. ساعات ما قبل الإفطار كشفت الإحصاءات تصاعد نسبة استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط خلال أيام رمضان بنسبة 30%. وأشار تقرير لشركة (ذي بروجيكت)، إلى أنها أجرت الدراسة عن طريق متابعة نشاط مستخدمي موقعي التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة وفيسبوك ومنصة (إكس)، في تسع دول عربية، لتقديم لمحة عامة عن اتجاهات استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، وتحديد مستويات المشاركة والأوقات التي يستخدمون فيها هذه المنصّات. وبحسب المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة ظافر يونس، فقد لاحظوا من خلال مراقبة آلاف التغريدات على (إكس) والمشاركات على (فيسبوك) في تلك الدول أن استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية وعادات المستخدم تتغير بشكل ملحوظ خلال رمضان، وأن نشاط المستخدمين يزداد بكثرة في ساعات المساء الأولى التي تسبق موعد الإفطار. واعتبر أن هذا الأمر يشكل فرصة كبيرة للشركات الراغبة بالوصول إلى أكبر فئة من المستخدمين على أن تأخذ بعين الاعتبار تضمين محتوى متخصص يلبي احتياجات فئات الجمهور المستهدفة، بحيث يكون فيها نوع من التسلية والترفيه والقيمة المضافة. كيف نحسن المحتوى ؟ أظهرت الدراسة، أن إنفاق المستهلكين يصل إلى أعلى مستوياته خلال رمضان، ما يشكل عاملاً محفزاً للشركات في الشرق الأوسط لزيادة إنفاقها خلال هذ الفضيل، والاستفادة من الوسائل الإعلامية الاجتماعية بأقصى قدر ممكن؛ كونها تتيح الوصول إلى أكبر فئة من الجمهور الذي يكون نشاطه خلال هذا الشهر مكثفاً أكثر من أي فترة خلال العام. وأشارت الشركة إلى ضرورة تحسين المحتوى بما ينسجم مع اهتمامات المستخدم خلال رمضان، وإعداد محتوى خاص وفقاً لذلك للبقاء على تواصل وبناء علاقات أقوى مع الجمهور، بالإضافة إلى زيادة الميزانيات لدعم الإعلان خلال الشهر الكريم؛ نظراً لأنه يمتاز بارتفاع معدلات المشاركة، وبالتالي يمكن لزيادة الإنفاق أن تدعم المحتوى بشكل أكبر في رمضان. حوار شاشات الهواتف المستشار الأسري صالح جعري الزهراني، قال: هناك أسباب عدة لضعف العلاقات الاجتماعية أهمها: مطالب الحياة الاقتصادية وضغوط العمل التي قد تقلل من فرص بناء التواصل والعلاقات، وتغيّر قيم المجتمع التي شكلت نمطاً جديداً للحياة ثقافياً واجتماعياً تسببت في ضعف المهارات الاجتماعية للأفراد، مما يجعل من الصعب بناء علاقات جيدة.. كل ذلك أدى إلى تسارع الأفراد نحو وسائل التواصل الاجتماعي على حساب التفاعل الشخصي والعلاقات الواقعية واستبدالها بوسائل التواصل الرقمي. ومع أن وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة على المدى البعيد، لكنها، في الوقت نفسه، أحدثت انقساماً في العلاقات الاجتماعية المبنية على التواصل الحقيقي، ويعزى ذلك جزئياً إلى الاعتماد المفرط على التواصل الرقمي الذي يقلل من قدرة الأفراد على فهم اللغة الجسدية والعواطف الحقيقية. ويرى الزهراني، أنه عندما يتحول الحوار إلى شاشات الهواتف الذكية، يمكن أن يقلل ذلك من فهم العواطف ويفتقر إلى عمق الاتصال البشري، بالإضافة إلى أن الاستبدال غير الصحي للعلاقات الاجتماعية يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية للأفراد، ما يجعلنا نؤكد أهمية أن يكون هناك توازن بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاحتفاظ بالتواصل الواقعي والعلاقات الشخصية ليؤدي ذلك إلى تحسين جودة الحياة الاجتماعية واتساق نمطها وطبيعتها. هشاشة العلاقات الأخصائية النفسية أمل الجهني، قالت: يشهد العالم اليوم تغيرات اجتماعية وثقافية كبيرة، كانت لها انعكاسات واضحة على طبيعة العلاقات بين الناس. ففي ظل التطور التكنولوجي الهائل بات التواصل عبر وسائل الاتصال الحديثة هو السائد، مما أثر على قوة العلاقات الاجتماعية وجعلها أكثر هشاشة. ومن الأسباب الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي الذي يتسبب في قلة التواصل المباشر بين الناس، وباتت العلاقات تقتصر على التعليقات والرسائل الإلكترونية، مما أفقدها دفء التواصل الشخصي وكذا الضغوطات الحياتية؛ ما قلل من الوقت المتاح للتواصل الاجتماعي وتكوين العلاقات. ومن الأسباب غلبة النزعة الفردية على قيم التعاون والتشارك؛ ما أدى إلى تراجع الروابط، كما زادت ظاهرة الانتقال من مكان إلى آخر، ما أدى إلى صعوبة الحفاظ على العلاقات القديمة. فأصبحت وسائل الاتصال الحديثة بديلاً للتواصل مع الآخرين ومشاركة المشاعر، لكنها تفتقر إلى التفاعل الحقيقي. ولجأ البعض إلى ألعاب الفيديو للتواصل مع الآخرين، لكنها لا تُغني عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية. كنت معك قبل قليل لعودة العلاقات لسابق عهدها تنصح الأخصائية الجهني، التركيز على الوعي وتوضيح أهمية العلاقات البشرية فيما بينها البين؛ حيث يجب إدراك أهمية العلاقات الاجتماعية لصحة الإنسان النفسية والجسدية وتخصيص وقت للتواصل مع العائلة والأصدقاء، بعيداً عن التكنولوجيا، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، إذ تُتيح فرصة التعرف على أشخاص جدد وتكوين علاقات جديدة والعمل التطوعي الذي يُساهم في بناء علاقات قوية. ويقول الإعلامي عبدالرحمن المنصوري: إن وسائل التواصل لها حسنات كبرى وسيئات جاءت من سوء استخدامنا لها وفهمنا الخاطئ، فخلقت فجوة كبيرة في العلاقات من منطلق (الفراغ) الذي نعيشه فأدمنا التعلق بها فأهملنا التفكير في أنفسنا وحياتنا وفي من حولنا، واكتفينا بتلك القروبات التي أصبحت (همزة) وصل نراها كافية للوصل، وهذا هاجس نفسي (كاذب)، فالصلة أكبر من ذلك، أيضا أذابت الانصهار الحميمي وتبادل المشاعر أصبح الكل بارداً (في علاقاته)؛ لأن هناك تذويباً للمشاعر وشتاتاً ذهنياً يجعلك ترى أن من تقابله كأنه كان معك قبل قليل. ترتيب وهندسة العلاقات الصورة الذهنية اليوم تحتاج إلى إعادة في ما يتعلق بوسائل التواصل وعلاقات الناس، ويأتي ذلك من خلال الوقوف مع أنفسنا والتنبه لخطورة تلك الوسائل وإشغال أنفسنا بما ينفعنا، وجعل تلك القروبات للحدث الأهم ولرسم مواعيد لقاءات حية تجدد عهد المودة، وألّا نكتفي بالمشاعر المعلبة، وأن نجعل من تلك الوسائل نافذة وعي لأنفسنا ولأهلينا، ونعيد ترتيب علاقتنا، ونعيد جلسات الأهل والجمعات العائلية، وتكون تلك القروبات لتوطيد العلاقات، لا لاتساع فجوة المشاعر، وأن نشغل أنفسنا ونعي أهمية وسائل التواصل، وألّا نسرف في استخدامها حتى لا تؤثر فينا وفي علاقاتنا بالآخرين، فاليوم الكل صامت، صمت جاء من بقائنا الدائم خلف تتبع تلك الوسائل وإدمان الخلود لها. عزلة وانطواء وبُعد عن الواقع عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام في جامعة الطائف ناهس العضياني، قال: إن لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيراً على المتلقي، كما أن لوسائل الإعلام التقليدية تأثيراً من نظريات التأثير لوسائل الإعلام التي أثبتت قوة تأثيرها على المجتمع، نظراً لأن لها أدواراً وظيفية تجاه المجتمع منها الإخبار والتعليم والتسلية والترفيه والإعلان وغيرها من الوظائف التي تقوم بها لخدمة المجتمع ويجد فيها ما يلبي احتياجاته ويشبع رغباته، ولما تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي من مميزات، على سبيل المثال السرعة في إيصال المعلومة والتفاعلية التي تمكّن المتلقى من التفاعل مع ما يتلقاه في هذه الوسائل، إلا أن لها تأثيرات سلبية على العلاقات الاجتماعية لما تسببه من عزلة وانطواء على الذات والتعمق في الواقع الافتراضي، مما أكسب الفرد عادات سلوكية تحببه في الابتعاد عن المجتمع الواقعي مع أقربائه وأصدقائه وجيرانه، وأصبحت ممارسات متتالية إلى أن تطورت وأصبحت مشكلة مجتمعية تتطلب معالجات وحلولاً. كم من الوقت على «الواتس» ؟ من الأسباب التي أدت لضعف العلاقات الاجتماعية -كما يرى استاذ الإعلام ناهس العضياني- عامل الوقت الذي يقضيه الفرد من المجتمع على الوسائل والتنقل ما بين منصة اجتماعية إلى أخرى؛ بحثاً عن احتياجاته التي تنعكس على علاقاته الاجتماعية ووظائفه التعليمية ومهماته الوظيفية حتى كذلك على واجباته الأسرية. وبالتالي لا بد أن تكون هناك معالجة لهذه المشكلة التي أدت إلى فجوة مجتمعية، حيث كان التواصل الواقعي يحل كثيراً من القضايا والمشاكل في المجتمع، وهناك ترابط أسري ومجتمعي قلّ هذا الترابط بسبب وسائل التواصل الاجتماعي فعلى مؤسسات المجتمع التكاتف في التوجيه والإرشاد وتوضيح مخاطر هذه الوسائل على الصحة والوقت والتعليم وجميع ما يساعد في نمو وتطور الفرد، إضافةً إلى دور الإعلام ووسائله في توعية المجتمع بتقليل وتقنين استخدام هذه الوسائل.