دعوة النبي - عليه الصلاة والسلام - انطلقت من كونها تدعو إلى مكارمِ الأخلاق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فالأخلاق الحسنة أساس بناء المجتمع، إذ إنها أهم ما يدعو له الدين الإسلامي. من تلك المكارم؛ «التسامح» كقيمة عظيمة ومبدأ إنساني، حوله الإسلام إلى واقع يتعامل به المسلم في حياته اليومية، ويتشكل أساساً منذ الصِغر من قِبل الأسرة القادرة على الاحتواء والمحبة، الحاضنة لأبنائها بحب واحترام، الزارعة فيهم القيم العظيمة. تظهر قيمة «التسامح» ومبادئه العظيمة من قوله تعالى: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)، ويظهر التسامح العرقي من قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ؛ إلَّا بالتَّقْوى). هذا الخُلُق السامي المتمثل في لين الجانب والعفو والصفح الذي لا يعمل به إلا القليل في هذا الزمن؛ ليس تنازلاً عن الحقوق بالذل والمهانة، بل نابع من صفاء القلوب، وما غلب عليها من الحب والعطف والرحمة والتعاطف والحنان.. إنه التماس العذر للمخطئ وإعانته على تصحيح المسار والنهوض من كبوته.. هو صفعة العظماء والأقوياء الذين يتملكون مشاعرهم ويضبطون أنفسهم في المواقف الصعبة التي تستوجب الصبر والحكمة. وأغلب الذين لا يستطيعون تطبيق التسامح أو احترام وجهات النظر المختلفة أو تقبل الثقافات والعادات المختلفة عنهم، يعانون من الداخل مع ذواتهم، لأنهم لم يتعاملوا معها بالتسامح والصفح والمرونة. من ذلك كله؛ «التسامح» فرصة جميلة ليبدأ الناس من جديد معلنين الحب ورافعين شعار الإنسانية والعفو، فأعظم ما يتسم به المرء هو «العفو»، الذي هو صفة تدل على السمو والخلق الرفيع والإنسانية والكرم، ليمنح من يعفو الآخرين فرصة كبيرة في الحياة، ربما تجعله أفضل مما كان، لذلك يجب أن ندعو جميعاً للتسامح كونه يجعل المجتمع كله مترابطاً.