الأمن ركيزة رئيسية للحياة الإنسانية، وهدف لا حياد عنه للقيادة الساعية لعز شعوبها، وهو ما كان من قيادة الدولة السعودية منذ نشأتها وإلى اليوم. ويعتبر عهد الإمام محمد بن سعود هو بداية نهاية اضطراب الأمن في الجزيرة العربية، حيث كانت الدرعية منذ نشأتها مركزا للأمن والاستقرار بدليل زيادة عددها في فترة يسيرة، فتحولت لحاضرة بارزة بين المدن والقرى الأخرى. وتمثلت صور عدة للمحافظة على الأمن والاستقرار: منها خروج الإمام سعود بن عبدالعزيز سنوياً على رأس قافلة الحج، ومعه قوة عسكرية لمعاقبة كل من تسول له نفسه التعدي على الحجاج من أفراد أو جماعات، ولم يقف الأمر عند طرق الحج بل حتى في المشاعر المقدسة. كما تم إصلاح وترميم القلاع الواقعة على الطرقات والدروب، وتضمينها عددا من العسكر للدفاع عن القوافل من قطاع الطرق. وكذلك تم استمالة البادية بالعطايا والهبات، وتكليفهم بمهام حماية القوافل وخاصة قوافل الحج. وكانت القوافل تخرج ومعها الدليل الذي يعينها للسير إلى الطريق الأسلم من المخاطر الطبيعية والبشرية، وكذلك الحامي وهو من ينقل القافلة من موضع لآخر، بما يماثل نظام الجوار، أي بما لديه من مكانة لدى القبائل التي تعبر القافلة أراضيها. أما المدن والقرى فحضر بها العسة بزيه المكون من بنطال وقميص وحزام عسكري (القايش) وغترة خضراء لتمييزه عن غيرهم. وجولاته الليلية لحفظ الأمن بالقبض على اللصوص وغيرهم من مخالفي الأمن بصفارته المميزة دون أي سلاح ناري، وهم أولئك الرجال الأقوياء النبهاء. واليوم تقوم حكومة المملكة العربية السعودية بالاعتراف بهذا الإرث الأمني الكبير، ففرقة الهجانة، الفرقة العسكرية التي كانت تقوم بمهام مراقبة وحراسة الحدود، ممتطية ظهور الهجن (الإبل)، وعابرة لتلك الصحاري القاحلة منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في تاريخ تأسيسها من عام 1352ه تحضر اليوم في المناسبات والاستقبالات الرسمية للدولة كجهاز يعكس موروثنا الأمني الوطني. * جامعة أم القرى