لم يتغير المشهد في قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، لكن الجديد يتمثَّل في المزيد من اتساع دائرة الحرب، وربما نشهد المزيد في الأيام القادمة. كل المؤشرات تقول إن إسرائيل تتجه إلى مزيد من التصعيد العسكري في غزة، لقد وصل الأمر إلى رفح، في الوقت الذي يتزايد التصعيد في الشمال الإسرائيلي على الحدود مع لبنان، إذن نحن على أبواب قنبلة شرق أوسطية موقوتة بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. وفي اليومين الماضيين، أجبر الجيش الإسرائيلي آلاف النازحين على إخلاء مجمع ناصر الطبي في خان يونس (جنوبي قطاع غزة)، على الرغم من تحذيرات من حدوث مذبحة في رفح إن أصرَّت إسرائيل على القيام بعملية عسكرية، ويرى مراقبون أن إسرائيل تجاوزت من خلالها كل الخطوط الحمراء وفي طريقها إلى مواجهة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لم تعد تحتمل هذه الممارسات في القطاع المنكوب والمحاصر. وعلى الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية من أن شنَّ هجوم عسكري إسرائيلي على مدينة رفح، يمكن أن يتسبب في كارثة لا يمكن تصورها، ويزجّ بالنظام الصحي في القطاع ليقترب أكثر من حافة الهاوية، إلا أنه كما العادة لا تعبأ حكومة نتنياهو المتهاوية بأي تحذيرات.. التركيز على رفح في هذه الفترة يوحي بأن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يكمل المهمة العسكرية على كل قطاع غزة، قبل أن يضج المجتمع الدولي بالمجازر التي يرتكبها في رفح وقبلها في مناطق أخرى، خصوصاً أن القصف العنيف استهدف خان يونس ونسف مزيداً من المنشآت والمربعات السكنية في أنحاء متفرقة من المحافظة. ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى أين يتجه التصعيد الإسرائيلي وسط تزايد المخاوف من أن تعمل إسرائيل على مسابقة المجتمع الدولي من أجل إنهاء العمل العسكري، وهذا يعني -بطبيعة الحال- أن العملية العسكرية السريعة ستكون كارثية ومكلفة على الصعيد الإنساني، خصوصاً الخسائر في الأرواح. وحتى الإعلام الغربي بات ينظر من زاوية أخرى للإجرام الإسرائيلي في قطاع غزة، إذ قال رئيس المحكمة الجنائية الدولية كريم خان: «هؤلاء الذين يرتكبون جرائم حرب سيخضعون للمساءلة»، وهي التصريحات التي صدرت تزامناً مع ضغوط مكثفة من قبل المجتمع الدولي على إسرائيل منذ الاثنين الماضي؛ لإثنائها عن اجتياح بري محتمل لرفح. لكن وسط كل هذه التهديدات والوعيد الإسرائيلي ومحاولة إغلاق كل الأبواب السياسية، ماذا يبقى من الحل في أزمة غزة، وهل فعلاً ممكن أن يكون هناك حل في نهاية المطاف.!؟ هذه أسئلة كبيرة تحاول إسرائيل إبعادها من الطاولة. الخبراء في الشؤون الاستراتيجية، يرون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ربط عملية اجتياح رفح بنجاح العملية العسكرية عامة، فإذا سُمح له بذلك قد ينجح، وهنا يكون قد حقق هدفه الأساسي، وإذا لم يُسمح له فإنه سيلقي اللوم على من لم يسمح له بالذهاب إلى رفح؛ وهذا يعني أن الصراعات الداخلية الإسرائيلية ستنعكس على الوضع في رفح، وهو ما يثير مخاوف كبيرة من إطالة الحرب، وفي النهاية فإن الخسارة الأولى تكون للشعب الفلسطيني. ويعتقد الخبراء أن نتنياهو يسعى إلى تحقيق إنجاز عسكري يواجه به خصومه السياسيين المتربصين به، فضلاً عن مطالبات عائلات الأسرى المتعاظمة، وتأكيده لها أن القوة العسكرية هي التي تمهّد الطريق لإطلاق الأسرى وليس غيرها. وأيضا في ضوء رغبة الشارع المتعطشة للانتقام منذ أحداث (طوفان الأقصى)، ولهذا فإن نتنياهو يلعب على جزء من الإسرائيليين الذين ما زالوا يريدون حلاً لقضية المعتقلين. الحقيقة، كل الرهانات السابقة على عقلانية بعض قادة تل أبيب انتهت بعد أن ثبتت تجربة ما يقرب من خمسة أشهر على الحرب في غزة أنه لا عقلاء في الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تحاول التصعيد يوماً بعد يوم، ولا أمل في مقاربة سياسية على الرغم من الجهود الإقليمية والدولية، وبالتالي فإن الدم والقتل ومزيداً من التدمير هو المشهد القادم، لذا لا بد من تحرك دولي جدي يوقف تجاوزات إسرائيل التي بلغت حدوداً كبيرة من شأنها تهديد الأمن والسلم الدوليين، وإلا ستنفجر المنطقة كبرميل بارود ينتظر رصاصة واحدة.