يقوم نهج رابطة العالم الإسلامي على مد جسور التقارب بين المدارس الإسلامية التي تشكّل المذاهب الفقهية المتنوعة في استنباط الأحكام الشرعية، وتسعى جاهدة لتفعيل رؤيتها المستنيرة القائمة على مبادئ وقيم الإسلام الداعية إلى التسامح والمحبة وتفعيلها على أرض الواقع لتحقيق الرؤية الإسلامية المشتركة بينها بما تملكه من مقومات الوحدة مع احترام واحتواء الاختلافات، وفي إطار مساعيها الحثيثة للمّ شمل الأمة الإسلامية تأتي زيارة السفير الإيراني لدى المملكة العربية السعودية لرابطة العالم الإسلامي عقب عودة العلاقات بين البلدين، واستقبال أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى للسفير الإيراني علي رضا عنايتي خطوة تعكس حرص الرابطة على تكريس وثيقة مكةالمكرمة بالتركيز على أهمية التفاعل بين المذاهب الإسلامية باعتبارها جميعاً تشكّل صرح الإسلام، كما أن من أهم أبعاد الزيارة تعزيز السلام وقيم التسامح بين الشعوب وأتباع الأديان والمذاهب، والتأكيد بأن المسلمين بكل مذاهبهم يشكلون جزءاً من هذا العالم بتفاعله الحضاري، وأن هذا التواصل واللقاء لا جرم يصب في مصلحة المسلمين لأنه يخلق أرضية أساسها تفعيل قنوات الحوار، والإيمان بأن الاختلاف في العقائد والأديان والمذاهب سنّة كونية. يحرص أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى على ترسيخ قيم ديننا الإسلامي الحنيف بكل مبادئه الأخلاقية العميقة القائمة على المحبة والأخوة، وهو يؤمن ويعمل جاهداً على توحيد البيت الإسلامي إيمانا بقول الله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة»، وفي هذا الإطار كان لنا الشرف أن كنا صلة وصل وتواصل خير لترتيب زيارة ولقاء السفير الإيراني علي عنايتي لرابطة العالم الإسلامي ولقائه الشيخ العيسى، لما لهذا اللقاء من أهمية قائمة على الحقيقة والمصداقية والإيمان المشترك بوحدتنا الإسلامية التي تنطلق من جوهر الإسلام «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، ولا شك أن هذه الزيارة لها دلالتها خصوصاً في ظل مساعي الشيخ العيسى على تفعيل مخرجات «وثيقة مكةالمكرمة» التي أصبحت منارة ومرجعية إسلامية لتحقيق الأمن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بل السلام العالمي باحتواء الاختلاف والانفتاح مع الآخر بوضع أرضية خصبة للمفاهيم المعتدلة التي تصب في هذه الأهداف، ووضع حد للتطرف الذي يشكّل أكبر تهديد لأمن مجتمعاتنا التي عانت الأمرّين من هذا الوباء الخطير. إن اللقاء الأخوي الذي جمع الشيخ العيسى والسفير الإيراني شكّل بصيص أمل لدى أتباع أكبر مذهبين في العالم الإسلامي (المذهب السني، والمذهب الشيعي)، وما حمله من رسائل عميقة تؤكد على مد جسور التواصل الإيجابي وتعزيز الحوار والتقارب الإسلامي-الإسلامي، وهو توجه رابطة العالم الإسلامي الذي تعبر من خلاله عن رؤية العالم الإسلامي بكل مذاهبه، وتمثل مرجعيتهم وتضع أولى أولوياتها وحدة المسلمين وعدم إقصائهم وتقبل الآخر كما هو، وعدم التعرض لرموزه ومقدساته لما في ذلك من مساس لمشاعر أتباعهم، ما يخلق جواً سلبياً ويزيد من الضغائن والأحقاد ويغذي التطرف الذي لا يمكن مواجهته إلا بلغة المحبة والتسامح وقبول بعضنا دون شروط، وإننا نتطلع من خلال هذا اللقاء وما سيليه من لقاءات مقبلة إلى ترجمة عملية لسد الذرائع وإفشال مخططات التفرقة وإفساد عمل المتطرفين وإخماد فتن المتآمرين، وإننا من الطامحين لتحقيق التعايش بين المذاهب الإسلامية في ظل الكثير من التحديات الراهنة التي أثبتت التجارب القاسية أن التناحر شوّه صورة ديننا الحنيف، وعلينا تفعيل الوعي وتوحيد رؤية المرجعيات، والتأكيد على أن الاختلاف رحمة «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، والاختلاف كما قال الشيخ العيسى يعكس رحابة الساحة الإسلامية، وأن الاختلاف في الاجتهاد سعة في الدين، وإعجاز في التشريع؛ نجد أنموذجه في موسوعاتنا الفقهية؛ ولو قَصَرْنَا هذا التنوعَ الإسلاميَّ على اجتهادٍ معينٍ لكان الفقه الإسلامي في كُرَّاسٍ واحد لا يتجاوزه.