•• حين كنت رئيساً للمراسم في سفارتنا بالقاهرة في التسعينات الميلادية؛ زارني في مكتبي شاعر عربي يتحدث بكل حباله الصوتية وكأنه قادم من زمن بعيد.. سألته بعفوية: لماذا أنتم المثقفون تعيشون في عزلة عن الناس تتعاملون مع العامة من برج عاجٍ؟.. أحنى ظهره ومال برأسه إلى الخلف وقال: «الجيل الإلكتروني قليل المعرفة، يعلك الحروف لا يميز بين شجرة الجوز وشجرة اللوز». •• بهذا الرد المجحف منك عزيزي في حق الجيل الحالي تؤكد ما قالته العرب قديماً في أمثالها «كاد المريب أن يقول خذوني».. أولئك هم كتبة الحروف عندما يدخلون في بداياتهم إلى أنفسهم يغلقون عليها الباب فينسون فضائل البشر.. وحين يدخلون في دراما تقدُّم العُمر يلجؤون إلى الوحدة فيلِجون في براثن أسوأ شيء في الحياة (الاكتئاب)، فيصابون بالدهشة من فداحة خسارتهم للناس. •• أعلن عليك العتب أيها العزيز المثقف الجَهْبَذ العارف.. هذا الجيل الذي تنعته بذلك الوصف لا يتقن التوقف كالعجزة.. جيلٌ يمد أصابعه ليصافح الوجدان مثل بريق النهار.. جيلٌ يركض إلى النهايات السعيدة بكسر حواجز المهارة والبروع.. جيلٌ يخرج إلى الحياة مزيناً مناكب الأرض بإنتاجاته البراقة الذهبية.. جيلٌ أصبح نموذجاً لمن ابتسم له الحظ، إذ ينبعث منه شموع مضاءة في كل مكان. •• الأحلام أيها المدعون للثقافة تبقى أحلاماً.. والواقع أبلغ وأجمل من الأحلام إن كنتم لا تعلمون.. وأحلام جيل الشباب تنبع من أمل لا من أحلام.. وواقع أحلام الشباب تفوق سماء الإبداع فكسروا بها سُحُب الابتئاس.. الشاب المتمكِّن من هؤلاء كألف رجل مثل فراشة تبحث عن رحيقها.. شباب يعطرون النباهة بماء الزهر فعكسوا أماني الإنسان وأحلامه.. هؤلاء الشباب نحبهم ونحب من يحبهم.