ليست هناك نائبة تحل على الإنسان في مشوار حياته القصير، أقسى وأشد إيلاماً من فراق الأحبة، ومهما اختلفت المشاعر نحو الآخرين يظل الإنسان الحقيقي، هو ذلك الكائن الأكثر تألماً على فراق من عاشرهم وإن اختلف معهم، ومن عايشهم وإن بعد عنهم، ولن أدعي أن ذلك ما يميز الإنسان عمن سواه من الكائنات، فكثير من المشاهد تؤكد أن الحيوان له من المشاعر والأحاسيس ما قد يتفوق به على بعض البشر. خلجات تنتابني وأنا أتذكر مسيرة أخي الفنان هشام بنجابي، ذلك الإنسان الذي عاش طوال عمره عاشقاً للفن، متيماً في شغفه مبدعاً في أعماله بوهيمياً في حياته، وكمسيرة الكثير من الفنانين، فإن فوضى الحواس، دوماً ما تتعبهم وتتعب من حولهم، خصوصاً أولئك الذين لا يعرفون ما ينتاب الفنان من أزمات نفسية وصراعات كامنه تؤثر على سلوكه وتجعله دوماً في حالة من التباين والتحليل، ويكون ذلك مصدراً للإلهام وسبباً في تدفق الإبداع، ومتى توقف ذلك توقف معه القلب النابض. أزعم وغيري أن الفنان هشام بنجابي قد بلغ العالمية بفنه وإبداعاته، فقد جاهد منذ نعومة أظفاره ليكون مميزاً في فنه، عالي الكعب في عطائه الفني، فكان طموحاً الى الحد الذي مكنه من لقاء جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه- يهديه لوحة بورتريه رسمها له تعبيراً عن حبه وولائه وهو على مقاعد الدراسة آنذاك. قد كان مجموعة إنسان جمع بين الرومانسية والرقة واللطف، والحدة والقسوة في الطباع على نفسه وعلى صحته. لكن أعظم الدروس التي نتعلمها، المعنى الحقيقي لحسن الخاتمة، فقد تجسدت جليّة في أيامه الأخيرة، التي شهد أكثر من شخص قريب منه بقربه إلى الله ومحافظته على الصلاة في المسجد وقراءة القرآن من بعد الفجر حتى الشروق، وكرمه مع كل محتاج حتى لو كان في ضائقه، فمن سأله أجاب بكل ما لديه دون تردد، حتى تعالت الدعوات الصادقة له ممن عرفه ومن لم يعرفه بالدعاء له بالمغفرة. رحمة الله عليك يا هشام، وأسكنك فسيح جناته، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وجعل كل حرف من كل كلمة من آية في كل صفحة من كل سورة في كل حزب من كل جزء من كل مصحف قرأته شفيعاً لك يوم القيامة.