كلّما أدرت في خاطري بنود ومترتبات برنامج تحوّل القطاع الصحيّ، طيَّ رؤية المملكة 2030، أُدرك الأفق البعيد الذي تستشرفه هذه الرؤية المباركة، التي أبدعتها عبقرية ولي العهد الأمين، فكل مستهدفات هذا البرنامج تمضي نحو إحداث نقلة نوعية مؤثرة، تتمثل في تطوّر القطاع الصحي التخصصي بأمراضه المستعصية وزراعاته المتعددة مما يعزّز من قدراته ويمكّنه من إنجاز المهام الصعبة بكل همّة واقتدار لنصل إلى (جودة الحياة). شهدت قاعة الملك سلمان للمؤتمرات في تخصصي الرياض المؤتمر الدولي لطب الجينوم 2023 تحت شعار (الجينوم يمهد الطريق للطب الشخصي) نوُقشت تطبيقات الجينوم المتقدمة في الرعاية الصحية، باعتباره المادة الوراثية المسؤولة عن نقل الصفات الوراثية بين الأجيال في عملية معقّدة، تشمل كافة الصفات، بما فيها الأمراض الوراثية المعروفة التي تحول حياة الأسرة إلى سلسلة من العذاب والمعاناة، فكان السعي الدؤوب للخلاص من الجينات الموّرثة للأسقام والأمراض المستعصية والعمل على فك الشيفرات الوراثية، وإصلاح الخلل الجيني في الجينوم البشري قبل انتقاله عبر عملية التوريث الطبيعية، التي تُعد الثورة الطبية لمستقبل الكرة الأرضية. تركزت محاور المشاركين من دول العالم في مناقشة تقنيات الجينوم المبتكرة، والطب الشخصي، وتقنيات الحمض النووي وتجربة برامج الجينوم السعودي، والقطري، والإماراتي. والتأكيد على ضرورة التحول المنهجي، ودمج علم الجينوم والطب الشخصي بشكل فعال في نظام الرعاية الصحية. شهد إطلاق مركز طب الجينوم في المستشفى التخصصي ومركز أبحاثها خدمة تحليل المورثات الجينية الدوائي لاختيار الأدوية الأنسب بناء على الشفرة الجينية الخاصة بكل مريض للتنبؤ بفعاليتها، مما يسهم في تقديم رعاية صحية متخصصة ودقيقة لكل مريض (الطب الشخصي)، وتحسين فعالية العلاج، وتقليل الأضرار الناتجة عن الأعراض الجانبية. وإنشاء قاعدة بيانات لتوثيق أول خارطة وراثية للمجتمع السعودي لتحسين الرعاية الطبية التخصصية الدقيقة، وتطوير الطب الشخصي والعمل على توظيف التقنيات لتخفيف الأمراض وتقنية علاجها وخفض التكلفة العلاجيّة للمرضى. مؤتمر مهم شهدته الرياض التي أضحت مركز جذب عالمياً في كل نواحي الحياة لسعادة البشرية ورفاهيتها. ساهمت التقنية الحديثة في تطوير علم الجينوم البشري محدثًة ثورة عظيمة في مجال الطب، حيث استطاع العلماء من خلال فك الشفيرات الجينية معرفة تسلسل الحمض النووي، وتحديد الصبغيات الجنينة المسؤولة عن توريث الأمراض، والعمل على معالجتها، بما يضمن أجيالاً معافاة من الأمراض التي ظهرت في أسلافهم. جاء مشروع برنامج الجينوم البشري السعودي متماشياً مع رؤية المملكة وجودة الحياة فيها والحد من انتشار الأمراض الوراثية والجينية الشائعة، ليصبح اليوم أحد أكبر 10 مشاريع للجينوم البشري على مستوى العالم، مستشرفاً في مسعاه تأسيس الاستراتيجيات الصحية المستقبلية، بحيث يصبح رافداً للأبحاث العلمية المتعلقة بالجينوم البشري الذي يُعدُّ الثورة الطبية للمستقبل المنظور. تم تسخير أحدث الوسائل التقنية لدراسة وفك الشفرات الوراثية والطفرات الجينية ودراسة التسلسل الجيني للمجتمع السعودي والكشف عن الأمراض الوراثية النادرة عامة وأمراض السرطان خاصة، لتقليل نسبة الأمراض الوراثية والتخفيف من الأعباء الاقتصادية الناجمة عنها، بالإضافة إلى فحص ما قبل الزواج وهو برنامج يهدف إلى الحد من انتشار بعض أمراض الدم الوراثية الثلاسيميا-المنجلي والتهاب الكبد ونقص المناعة المكتسب (الإيدز). دشن مختبر الجينوم المركزي الأمير محمد بن سلمان في عام 2018، واحتضنه مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الذي استطاع تقليص الوقت اللازم لتشخيص الأمراض الوراثية، وزيادة دقة وكفاءة التشخيص، وإنشاء قاعدة بيانات للاستفادة من المحتوى الوراثي خاصة في زواج الأقارب. دراسة الجينوم البشري كان له بالغ الأثر في تقديم الرعاية الصحية المتخصصة للمرضى وإطلاق العنان نحو الجيل القادم من الطب التشخيصي؛ ليكون من أفضل مشاريع الجينوم البشري على خارطة العالم وخطوة أولى نحو اكتشافات جديدة ومتنوعة تتعلق بالمتغيرات الوراثية التي تضمن لنا وللبشرية جودة الحياة بإذن الله. الجينوم البشري أحد المشروعات الوطنية الرائدة لتحقيق رؤية المملكة الطموحة للحد من الأمراض الوراثية وإنشاء قاعدة بيانات لتوثيق أول خارطة وراثية للمجتمع السعودي لتحسين الرعاية الطبية التخصصية الدقيقة، وتطوير الطب الشخصي الذي يعمل لتوظيف التقنيات الحثيثة والجزئية لتخفيف الأمراض وتقنية علاجها. مؤتمر مهمّ شهدته الرياض وانتظره العالم ورعاه المستشفى التخصصي للإسهام في راحة المعذبين في الأرض والتغلب على أمراضهم المستعصية. إنها إحدى ثمار الرؤية على أرض الواقع، رؤية تؤتي أكُلها كل حين بإذن ربها.