من هنا، من نيوم أرض المستقبل في شمال غرب المملكة، أقف وأتأمل هذا التنوع الحضاري والثقافي والعلمي والإنساني المُلهم الذي يشكل نسيجاً وطنياً فريداً في العالم. ويأخذني التأمل إلى ما قبل 93 عاماً، لترتسم في ذهني صورة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، رحمه الله، الذي وحّد بفكره وقلبه هذا الوطن قبل أن يوحد أرضه ومناطقه الشاسعة ذات العمق الثقافي والتاريخي والتنوع الجغرافي والاجتماعي. ومنذ ذلك الحين، انغرست بذور الوطنية والوحدة لتعزز الأمن والاستقرار في هذه الأرض المباركة، وأزهرت خلال السنوات اللاحقة وعلى أيدي ملوكنا رخاء وازدهاراً وتقدماً، وتجلت في مملكتنا أجمل صور التلاحم الوطني بين الشعب والقيادة. رؤية إنسانية أولاً سنوات عشناها من المجد والوحدة والرخاء، وها نحن اليوم نعظّم فخرنا وانتماءنا بعهد زاهرٍ، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس مجلس الوزراء. عهد العزم والحزم والطموح، والذي أطلق القدرات الاقتصادية والبشرية للمملكة، وشرّع أبواب التمكين والابتكار. وقد تكلل هذا العهد برؤية عصرية صاغها حفيد الملك المؤسس، ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان، فأعطى للمملكة من خلال رؤية السعودية 2030 خارطة طريق وبوصلة نحو مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح. رؤية شكلت ثقافة أمة بأكملها. هي الطموح والعزيمة والجهد واللامستحيل الذي يحوّل الأفكار إلى واقع. ولهذا السبب، أحدثت رؤية السعودية 2030 تحولا جذريا وقفزة نوعية جديدة للمملكة، وبتنا نشهد الرؤية مجسدة في مشاريع رائدة على امتداد الوطن. ولعل الأهم أننا بتنا نرى عقولا وطاقات وطنية تخطط وتشرف وتنفذ هذه المشاريع؛ لتتحول المملكة إلى وجهة لكبرى الشركات وحلم للمواهب والكفاءات من حول العالم. أرض المستقبل ومن قلب هذا الطموح وهذه الرؤية انبثقت «نيوم». أرض المستقبل وهدية المملكة للبشرية، لتمكين نخبة العقول وأمهر الكفاءات من تجسيد الأفكار الرائدة وتخطي المألوف، في عالم حقيقي يصنعه الخيال، وتطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية. ولأن نيوم هي ثمرة رؤية السعودية 2030، وأحد أهم مشاريعها الرئيسية، فهي تتقاطع تماماً مع مستهدفات هذه الرؤية. فنيوم هي المجتمع الحيوي الحديث الذي بات يتجسد حالياً على أرض الواقع ليصبح وجهة مثالية للمعيشة والأعمال والابتكار والترفيه. كما ستدعم نيوم تطوير اقتصاد مزدهر يرتكز على التقنيات المتقدمة والعمل المتنوع وتوفير فرص العمل لشبابنا وشاباتنا، ودمجهم مع النخب العالمية لتمكين الإنجاز والابتكار. نعم، نيوم هي أرض الحالمين وحلمنا هو أن نعيد تخيّل ما سيكون عليه المستقبل المستدام؛ وما يميزنا أن حلمنا أصبح يتجسد في واقع ملموس من خلال منظومة قطاعاتنا الشاملة والفاعلة على أرض الواقع في البناء، والتعليم، والصحة، والتنقل وغيرها. وجميعها تعمل في وئام تام مع طبيعة نيوم التي سنحافظ على 95% من مساحتها. فمنذ إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس إدارة نيوم، حفظه الله، عن إطلاق مشروع نيوم في أكتوبر 2017، قطعنا، وبتوجيهٍ وإشرافٍ من ولي العهد، شوطاً كبيراً وانتقلنا من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ. فها هي «أوكساچون»، مدينة نيوم للصناعات المتقدمة، تحقق سبقاً نوعياً بإتمام مرحلة الإغلاق المالي لمشروع إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم باستثمار قدره 8.4 مليار دولار أمريكي. وتستعد «تروجينا»، الوجهة الجبلية العالمية للسياحة المستدامة، لاستضافة الفعاليات المحلية والعالمية والتي ستبدأ مع دورة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029. وكذلك، تسير الأعمال بوتيرة متسارعة لتنفيذ «ذا لاين»، المدينة النموذجية التي ستعيد تعريف مثالية العيش. فيما ستبدأ جزيرة «سندالة»، أولى وجهات نيوم للسياحة البحرية الفاخرة في البحر الأحمر، في استقبال الزائرين في العام المقبل. كما بدأنا نشهد تزايد الفعاليات والأنشطة على أرض نيوم، من المنافسات الرياضية، إلى الأعمال الإنتاجية والسينمائية وغيرها. وفي قطاع الأعمال، أطلقنا شركتين تابعتين هما شركة نيوم للطاقة والمياه «إينووا» المحدودة، وشركة «تونومس» للعلوم التقنية والرقمية، بالإضافة إلى شراكات عالمية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، من خلال أكبر مصنع من نوعه في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر. وقد اكتملت الاستعدادات لإنجازه مع نجاحنا بإبرام اتفاقية حصرية مع شركة «إير برودكتس» لشراء كامل الأمونيا الخضراء التي سينتجها المصنع في السنوات ال30 القادمة. نحلم ونحقق إن طموحنا لا ينضب، وقدرتنا على تحويل الأحلام إلى حقيقة لا تتعب؛ طموح يسمو بسمو جبل طويق وشموخه. فالمستقبل الذي نبنيه في نيوم هو من صنع الحاضر، وسيصبح بعد أعوام قليلة فقط واقعاً مجسداً بعون الله وتوفيقه. وسيكون الحاضر الجديد نقطة انطلاقنا نحو مستقبل جديد آخر. وقد يكون الثابت الوحيد بين هذه التحولاّت أن موطنها سيبقى دائماً وأبداً المملكة العربية السعودية، وكل عام ووطننا بألف خير. * الرئيس التنفيذي لنيوم