يدرك المتمعن في تاريخ هذه الدولة العظيمة، المتفحص لماضيها بأمجاده التي خُطت على جبين الزمان، والمتأمل في حاضرها بنهضته التي ارتسمت على ملامح المكان، كيف لها أن تكون رمزًا مؤثرًا على خارطة العالم، قوة ومكانة وعلو شأن وسؤدد، نحتفي بمآثرها على مر الأعوام. هي المملكة، وعلى مرِّ ثلاثة وتسعين عامًا، انتهجت في رحلتها شريعةً عظمى؛ كتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، فكانت خير ركيزة عرفتها البشرية، سارت بها على طريق الحق والهدى والقيم المثلى الراسخة المستقيمة، وغرست في أبنائها الحزم والكفاح والخطى الثابتة التي لا تعرف الهزيمة واللين حتى تبلغ مبتغاها في وحدة البلاد ورفع راية الدين. هي المملكة، منبت الخير والأمل، تعلّقت بين أرضها وسمائها أحلام القادة الملوك منذ أن كانت صحراء متناثرة، وشهدت أرجاؤها بمعيّة سيوفهم الملتحمة بشهادة الحق، وقلوبهم الممتلئة بنور اليقين، ملاحم وبطولات تاريخية قادها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيّب الله ثراه- لتحقيق حلم توحيد المملكة العربية السعودية وتوثيق روابط شعبها، لتُحاك منذ ذلك الحين سلسلة الأحلام والطموحات، وتُرسم صور بلوغ الآمال والتطلعات عامًا تلو عام وحتى تخطّت بعمرها التسعين، مرورًا بعهد أبنائها البررة ممن حملوا الأمانة من بعده، وأكملوا مسيرة العز والتمكين، بإخلاص وحب ووفاء لهذه الأرض المباركة. إنَّ اليوم الوطني السعودي الذي نحتفي به في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر لهو وقفة سنوية نجدد فيها مشاعر الامتنان لمن خلّد لنا هذا التاريخ المشرّف ولا يزال، وسطّر لنا صفحاته بمداد من فخر واعتزاز بجلّ حكاياه وقصصه ورموزه منذ الأمس البعيد وحتى يومنا الحاضر وصولًا إلى غدنا المرتقب، وهو ذكرى غالية ندرك فيها كيف يمكن بالهمة والنظرة الطموحة أن نصنع من المستحيل ممكنًا، وأن نبني بالفكر الواعي نهضة عصرية متجددة، وتنمية مستدامة متوازنة، ونقلات نوعية متلاحقة، تتناول في مستهدفاتها كافة المحاور السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية بأثر فعال يمتد محليًا وعالميًا، وبعمق استراتيجي تجاوز حدود المكان والزمان، يتجلى فيها نهج القادة في تبنّي مقومات تمكين الشباب والثقة في قدراتهم، والسعي نحو تهيئة جيل واعد تطمئن سرائره بحب الوطن وتُستَمد عزائمه من خيره وعطائه، حتى تحظى البلاد بأيدٍ تجسّد بالفكر والعمل الجاد ولاءها وانتماءها، وتعكس بصنائعها وإنجازاتها عمق التلاحم والترابط والوفاء لهذه الديار وقادتها. وعلى خُطى هذا الركب التنموي المبارك تسير منظومة التعليم في المملكة، التي احتلت باستراتيجياتها النوعية موضع الصدارة، وأمست محل تنافس إقليمي وعالمي، تقفز بمؤشرات أدائها قفزات غير مسبوقة لتجسّد العزم على الارتقاء والتطوير في السبل والممارسات، والجودة والاتقان في النتائج والمخرجات، بما يواكب مستجدات العصر ومتطلباته، ويوازي الجهد الحثيث للحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسباته، وذلك في ظل الدعم السخي والرعاية المستمرة اللذين يحظى بهما التعليم في المملكة من لدن قادته -حفظهم الله-، وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تؤكد بدورها المساهمة في قيادة هذا التغيير وإحداث الأثر المأمول كصرح تعليمي ملتزم بمسؤوليته تجاه المجتمع والوطن، حيث حققت الجامعة، بفضل من الله، إنجازات متوالية على الصعيد الأكاديمي والبحثي والمجتمعي، كما عملت على استمرار جهودها في رفع مستوى المخرجات التعليمية وتحقيق متطلبات الجودة واستيفاء معايير الاعتمادات المؤسسية والبرامجية والتصنيفات العالمية، إضافة إلى تعزيز الشراكات المحلية والدولية في مختلف الجوانب كجزء من رؤيتها ورسالتها، والله نسأل أن يسدد على الحق خطانا، وأن يديم هذا الخير لأرض المملكة، وأن يحفظ لها مكانتها المرموقة وثقلها الدولي فتبقى متميزة متفردة شامخة أبية. وأخيرًا..لا يسعني في عرسنا الوطني إلا أن أتقدم بالتهنئة الخالصة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وإلى ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والى أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وإلى نائب أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهم الله- داعيًا المولى -عز وجل- أن تتجدد ذكرى هذا اليوم في قلوبنا ونحن نرفل بنعمة الأمن والأمان والعزة والتمكين؛ أرضًا وقيادة وشعبًا.