يومنا الوطني هو عرس بهيج يحمل مشاعرنا في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام، نقرأ من خلاله حكايا التاريخ وقصة المكان والزمان، ونستعرض عبر زواياه تلك المشاهد التي تلونت تفاصيلها عاما تلو عام، لتروي سلسلة من الأمجاد، صنعها بالأمس سيفٌ التحم بيمين قائد فذ يملأ قلبه اليقين، وباركها دستور قام على شريعة عظمى -كتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وقادها إلى حيث بانت معالمها اليوم أبناء برره، حملوا الراية وأكملوا المسيرة وساروا على النهج والخطى، بحزم وكفاح لا يعرف معنى للهزيمة واللين. اثنان وتسعون عاما ابتدأت فصولها بتلك الملحمة والبطولات التاريخية التي قادها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- لتوحيد المملكة العربية السعودية، وقيامها على مبادئ راسخة، وقيم ثابتة، والتزام بشرف خدمة الإسلام والمسلمين، نقطة تحول رُسمت حينها الحدود، وأرسيت قواعد البناء، وحِيكت الطموحات والعزائم، لا ترى أمامها سوى هدف الوصول بالوطن إلى موضعه على خريطة العالم قوة وعلو شأن وتأثيراً عن جدارة واقتدار، لتكون هذه الأرض "الوطن والدار والظل الآمن" لشعب كان ولم يزل مخلصا أمينا، يستذكر مآثر الماضي التليد فيزهو ويفخر، ويعيش فصول الحاضر الزاهر فيجد ويعمل، ويرسم آمال المستقبل المزهر فيبني له ويعمر، قلوب تطمئن سرائرها بحب الوطن، وهمم تستمد قوتها من خيره وعطائه، وصنائع أيدٍ تجسد ولاءها له وتشهد بعمق التلاحم والترابط والوفاء لهذه الديار وقادتها. يومنا الوطني هو شاهد عيان على ما وصلت إليه مملكتنا اليوم من السؤدد والمكانة، والنهضة والنمو، أنموذج فريد يؤكد كيف يمكن بالهمة والإصرار والنظرة المتفائلة والسواعد المتكاتفة أن نصنع من المستحيل ممكنًا، وأن نبني بالفكر الواعي الطموح نهضة عصرية متجددة تواكب التطور، بل تصنعه وتنافس به، تنمية مستدامة متوازنة، ونقلات نوعية متلاحقة، وإنجازات مستمرة متواصلة، تناولت في مستهدفاتها كافة المحاور السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية وبعائد ملموس وأثر فعال امتد محليًا وعالميًا وبعمق استراتيجي ليس له حدود، كما تجلى فيها نهج القادة في بناء الإنسان كمرتكز تقوم عليه الخطط التنموية، وديدنهم في تبنّي مقومات تمكين الشباب والثقة في قدراتهم والاستثمار الأمثل لإمكاناتهم، ودعم الروافد الأساسية لتهيئتهم وإعدادهم وتحفيزهم والتي يأتي في مقدمتها التعليم بتعدد طرقه ووسائله. ومن منطلق هذا اليقين، والضرورة الملحة لتعزيز كفاءة رأس المال البشري بما يواكب مستجدات كل عصر ومتطلباته، والسعي لتوظيفه للحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسباته؛ فقد حظي التعليم بالمملكة بدعم سخي وتشجيع مستمر ورعاية حثيثة من لدن قادة البلاد، سار بها إلى حيث الجودة والإتقان في السبل والمخرجات، تعترف المنظمات الدولية بتجاربه واستراتيجياته كقدوة وممارسات عالمية، كما شهدت منظومة التعليم العالي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله- منعطفات تقدم ملموسة ارتقت بمؤسساتها في التصنيفات العالمية وبمؤشرات غير مسبوقة، حيث شملت الجانب التنظيمي من خلال سن الأنظمة للرفع من الكفاءة الأدائية للجامعات، وكذلك إطلاق عدد من الاستراتيجيات التي من شأنها تنمية قدرات أبناء الوطن وقدرتهم على المنافسة عالميًا، كما امتدت تلك المنعطفات إلى الجانب الأكاديمي والبحثي بإطلاق عدد من اللوائح والإجراءات لتجويد العملية التعليمية، وتعزيز المرونة الأكاديمية وحوكمتها بما يتوافق مع الممارسات الدولية، إلى جانب استحداث التخصصات التطبيقية لتعزيز دور الجامعات المهم في تحقيق متطلبات التنمية الوطنية واحتياجات سوق العمل، كما شملت أيضاً تخصيص الميزانيات الداعمة للمشاريع العلمية والبحثية وتوجيهها لخدمة القضايا الاقتصادية والمجتمعية ليزخر الواقع بصنوف العلوم والمعارف النوعية ومعالم الإنجاز الإبداعي المبتكر. وفي خضم هذه المسيرة المباركة لمنظومة التعليم استلهمت جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل مستهدفاتها وخططها الاستراتيجية فاستمرت مساعيها في تأطير مسارات التقدم والنهضة بغايات عظمى ومقاصد سامية، عازمة على المساهمة في قيادة التغيير وإيقاع الأثر المأمول، وتألقت فيها بفضل من الله إنجازاتها على الصعيد الأكاديمي والبحثي والمجتمعي فاحتلت مكانتها محليًا وعالميًا وفق أهم التصنيفات ومؤشرات براءات الاختراع، كما عملت على استمرار جهودها في رفع مستوى المخرجات التعليمية وتحقيق متطلبات الجودة واستيفاء معايير الاعتمادات المؤسسية والبرامجية، إضافة إلى تعزيز الشراكات المحلية والدولية في مختلف الجوانب كجزء من رؤيتها ورسالتها وعمق اهتمامها قيمها في استشعار مسؤوليتها كصرح تعليمي ملتزم بخدمة المجتمع والوطن. أخيرًا.. ستظل مملكتنا "لنا دار"، وسيظل أبناؤها يترقبون أيام الاحتفاء بها، مؤكدين فخرهم واعتزازهم هذا العام بهوية عكست حدود المملكة وترامي أطرافها، وجسدت احتضانها للشعوب والثقافات، واستعدادها لإطلاق أهم المشاريع والإنجازات، عاكسة بألوانها ما تحمله من معاني قيمة تمثل الطموح والعزيمة والنمو والأمان والحكمة والولاء، والله نسأل أن يديم هذه القيم رمزًا وسمة لأرض الخير وشعبها، ليسجل لها التاريخ ومحطاته وبمداد من نور مكانتها المرموقة وثقلها الدولي فتبقى مميزة متفردة شامخة أبد الدهر، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أتقدم بالتهنئة الخالصة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وإلى ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، والى أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وإلى نائب أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظهم الله- سائلاً المولى عز وجل أن يسدد على الحق خطانا، وأن يجعلنا منابع خير لا تنضب، ومنابر لعطاءات لا تكل ولا تخبو لعمارة هذه البلاد ورفعتها. *رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل