قبل ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي فجّرت ثورة معرفية في حياتنا من خلال التواصل المباشر ومعرفة الآخر، فقد كان هناك جهل مطبق بين الجهة والجهة الأخرى وبين أمم ونظائرها، ودول وأخرى وقبيلة وقبيلة أخرى، وما بين الإنسان وأخيه الإنسان، فكانت صورة الآخر قبل هذه الثورة المعرفية تنعكس عن جهل بسبب غياب المعلومة الكاملة والكافية، بل تكثر التصورات والأحكام المسبقة التي تظلم الآخر، فقد يتصور الإنسان أن ذلك الآخر لا يمتلك سلوكاً حضارياً وثقافياً وعلمياً، بل قد يبالغ في الذهاب بعيداً بوصفه شخصاً متوحشاً وأنه يشكل خطراً عليه، وهي لا تعدو أن تكون مجرد أوهام وتصورات غير واقعية، وقد يكون العكس تماماً، في حين أن صورة الآخر اليوم في ظل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي والنهضة المعرفية تغيرت جذرياً ومن المهم جداً توضيحها خصوصاً في ما يتعلق بالانفتاح الديني ومحاولة عكس صورة حقيقية تسمح وتمكن الآخر من التعرف على المعتقدات المتنوعة والثقافات المختلفة بالشكل الصحيح. ينبغي التأكيد أن هناك نوعاً من التقصير، في تعريف الآخر بثقافتنا وديننا وحضارتنا، والعكس بالعكس، وذلك راجع إلى الانغلاق وعدم الانفتاح عليه، لذلك ينبغي أن ننفتح على الآخر ونتعرف عليه ونتقبله كما هو بهويته ومعتقداته وثقافته وموروثاته وعاداته وتقاليده، وكيفية انعكاس هذه الصورة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمعرفة الإلكترونية والإعلامية، ولا شك أن هذه مسؤولية كبيرة خصوصاً على صانعي المحتوى الذين يعتبرون مرآة تعكس مجموعة من المفاهيم التي تترك أثرها على الآخر الذي يتلقاها إما إيجاباً أو سلباً بحسب مضمون المحتوى وأهدافه، فالآخر ليس له من معلومات سوى تلك التي يتلقاها، مثل الطفل تماماً الذي يولد وليس لدية أي صورة، ولكنه يتلقى من الأم كل المفاهيم والسلوكات فهي التي تصنع المحتوى بالنسبة لطفلها فإما أن تصنع منه إنساناً خلوقاً عالماً منفتحاً أو شخصاً يعاني من مختلف الآفات والأزمات. شئنا أم أبينا فإن صنّاع المحتوى على مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي يتحملون مسؤولية كبيرة في إعطاء الصورة العكسية المناسبة والإيجابية عن الآخر، باحترام قوانين الدولة لمناهضة مختلف صور خطاب الكراهية الذي يؤجج مشاعر الحقد والبغض للآخر، واستبدالها بصورة التسامح والانفتاح على منهج الاعتدال والوسطية، «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، ومد جسور التعارف مع الآخر على أساس الروابط الإنسانية المشتركة (جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، وهذه الروابط متينة ودائمة «كلكم من آدم وآدم من تراب»، ومن شأن التمسك بها المساعدة والمساهمة في مكافحة الصورة النمطية عن الآخر، المنافية للحقيقة والواقع، وهذا لا شك سيساهم في إرساء السلام ونشر قيم المحبة بين الشعوب بمختلف توجهاتهم والأمم وألوانها والأديان وتنوعها، لذلك فمن المهم إدراك ذلك ونشر الوعي وإنارة الطريق للسالكين درب الهدى ومنهج الصالحين.