وكأنّ كل شيء يتحضّر للانفجار الكبير. يكاد لا يمرّ يوم على الحدود الجنوبية للبنان من دون إشكال بين حزب الله وإسرائيل، تارة من أجل شريط شائك، وأخرى من أجل خيمة نُصبت على الخط الأزرق، وآخرها، أمس (السبت)، كان التعرّض للإعلاميين الذين برفقتهم النائب قاسم هاشم عضو قيادة حزب البعث الحليف للحزب وللثنائي الشيعي. الإعلام الإسرائيلي يلقي باتهاماته على «حزب الله»، ويقول، إن لديه رغبة في إشعال الحدود لعدة أيام فقط، أي مسعى نحو اشتباك محدود لتحقيق نتائج محدودة يرى مراقبوه أن تلك العملية لها ثلاثة أهداف: إظهار حاجة لبنان لسلاح الحزب لمواجهة إسرائيل، والضغط على المجتمع الدولي، وتثبيت مصالحه ورغباته في الانتخابات الرئاسية اللبنانية. فيما يرى مراقبون لبنانيون، أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو له مصلحة أيضاً في مواجهة محدودة لعدة أيام يحقق فيها فك الحصار الداخلي الذي يواجهه من المعارضة الإسرائيلية، وإحراج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تُصعّد بوجهه، إضافة إلى التهرّب من الترسيم البري للحدود مع لبنان. وعلى خلفية التوجهين، يبدو أنّ الحزب ونتنياهو يلتقيان بالمضمون من دون أن يلتقيا بالشكل، فالطرفان يسعيان لمواجهة محدودة لعدة أيام لهما فيها مآرب كثيرة. إلا أنّ ما يعيق ذلك أن الجانب الأمريكي يراقب بدقة، حيث يتجه العالم وكل أطيافه إلى عصر التسويات لا المواجهات. فالعالم لا يتحمّل مواجهة فوق ما يحصل على الأرض الأوكرانية، فهذا قرار دولي حازم لا يمكن لأحد تجاوزه ولا القفز فوقه. الحكومة اللبنانية هي الأخرى غائبة عن كل ما يحصل. فوزير دفاعها مشغول بعرقلة تعيين رئيس للأركان، ورئيس حكومتها غائب عن مدينته ومسقط رأسه، فكيف إن كان الأمر في الجنوب؟ أما نواب برلمانها فيبحثون عن اسم يصوّتون له لرئاسة الجمهورية، فيما القوى الأمنية فيها تسعى لتأمين رواتب عناصرها. وعلى الأرض، يتوقع أهل الجنوب أن تكون منطقتهم مزدهرة اقتصادياً وهم ينشرون المنتجعات السياحية المستحدثة لاستقبال العائلات في فلل ومسابح خاصة، وكثيرون وضعوا كل ما لديهم في إنشاء هذه المنتجعات، ويراهنون على الأسابيع القادمة لاسترجاع ما دفعوه مع بعض الأرباح التي تعينهم في أيام الشتاء وما ينتظرهم من مصاعب اقتصادية، إلا أنّ حرباً محدودة أو غير محدودة من شأنها أن تضيّع أحلامهم وتجعلها أوهاماً. هي مغامرة جديدة يجري اللعب على إنتاجها، لكن السؤال الذي يتردد عند كل حالة مثل هذه.. هل يعلم نصر الله عواقب هكذا حرب محدودة على مجتمعه وجمهوره؟ أم أنه سيقول إن ما حصل لا يتمناه كما قال عام 2006، بعد العدوان الإسرائيلي الكبير «لو كنت أعلم».