وضعت حادثة مقتل شاب من أصول جزائرية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته التي تعاني من تصدعات على خلفية قانون إصلاح التقاعد في مأزق شديد، وسط تحذيرات من أجهزة الاستخبارات من تحول العنف وأعمال الشغب إلى فوضى عارمة تهدد فرنسا بأكملها. ولخطورة الموقف اضطر ماكرون إلى اختصار مشاركته في القمة الأوروبية والعودة سريعا إلى باريس لمتابعة الوضع المشتعل على الأرض لليوم الثالث على التوالي، خصوصا أن أعمال العنف طالت تخريب مقار إدارات عامة وعمليات نهب وإحراق سيارات ومواجهات مع رجال الأمن. مراقبون سياسيون يعتقدون أن هذه الأزمة ستكون فارقة في مصير الحكومة الفرنسية، التي تعرضت لأزمات عدة، وهو ما يفتح الطريق أمام كل السيناريوهات. ويرى هؤلاء أن التعامل الحكومي مع أزمة مقتل الشاب الجزائري على أيدي الشرطة سوف ينبئ عن أي مستقبل ينتظرها. الرئيس الفرنسي أعلن اليوم (الجمعة) أن اجتماع خلية الأزمة سيتواصل طالما تطلب الأمر، مشدداً على اتخاذ إجراءات إضافية للتصدي للاعتداءات والعنف في باريس. وكشف نشر تعزيزات إضافية للسيطرة على أعمال الشغب، وهو ما يعني أن الأزمة مستمرة، وأن الاحتجاجات مشتعلة ومتواصلة. وقال ماكرون خلال اجتماع خلية الأزمة في باريس الذي التحق به فور عودته من بروكسل إن منصات التواصل الاجتماعي انتشرت بها مقاطع للتحريض على العنف، منددًا بما وصفه بالاستغلال غير المقبول لوفاة المراهق، ودعا منصات التواصل الاجتماعي إلى حذف مشاهد الشغب «الحساسة». ولليوم الثالث، لم تتوقف أعمال الشغب في فرنسا، ووقعت مواجهات بين الشرطة وشباب غاضبين ما أدى إلى توقيف المئات. وهزت أعمال شغب شملت تخريب مقار إدارات عامة وعمليات نهب ومناوشات متفرقة ليل الخميس الجمعة مدناً كثيرة واقعة في منطقة باريس بعد توجيه تهمة القتل العمد وحبس الشرطي الذي أقدم على قتل مراهق يبلغ السابعة عشرة خلال عملية تدقيق مروري بعدما رفض التوقف الثلاثاء في نانتير قرب العاصمة الفرنسية. وارتفع عدد المعتقلين في فرنسا خلال موجة الاحتجاجات، في حين حذرت مذكرة للاستخبارات من اتساع رقعة العنف خلال الليالي القادمة. وأفادت وزارة الداخلية بأن السلطات اعتقلت 875 شخصا. وكشفت أن عددا كبيرا من المعتقلين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاما. في غضون ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر بالشرطة أن مذكرة للاستخبارات حذرت من أن العنف قد يصبح معمما في البلاد خلال الليالي المقبلة ويتسم بأعمال تستهدف الشرطة ورموز الدولة. وتفقدت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن برفقة وزير الداخلية جيرالد دارمانان مركز شرطة إيفري كوركورون بضاحية باريس الجنوبية بعد تعرضه «لقصف بقذائف الهاون» ليلا، وفقا لمصادر بالشرطة الفرنسية. وتحدثت بورن مع المسؤولين عن مركز الشرطة وأعربت عن دعمها لهم، وشددت على أن «جميع الخيارات ممكنة لاستعادة النظام في البلاد». واستبقت رئيسة الوزراء زيارتها لمركز الشرطة بتغريدة على تويتر نددت فيها بأعمال العنف وقالت إن تلك الأفعال «لا تطاق ولا تغتفر». من جانبها، دخلت الأممالمتحدة على خط الأزمة، مطالبة فرنسا بمعالجة المشاكل العنصرية الجدية في صفوف قوات الأمن. وعلقت أطراف خارجية أخرى على الأزمة، وأعربت الحكومة الألمانية عن قلقها بشأن التطورات في فرنسا.